31‏/5‏/2011

البكتيريا تضحي بنفسها لانقاذ رفاقها


ننقل هذا التقرير الطبي الرائع عن خلق الإيثار حتى في البكتيريا!.
حسام جميل مدانات - على غرار البشر، عندما يقاتل الجندي ويضحّي بحياته ليحمي أهله ووطنه، فإن البكتيريا تظهر ممارسة مشابهة، فبعض أفرادها تعرض نفسها للموت في مواجهة المضادات الحيوية، حتى تعيش باقي أفراد المستعمرة البكتيرية. انه سيناريو غريب ومدهش، يقترحه جيمس كُلنز وفريقه من جامعة بوسطن الأمريكية، بعد دراستهما الآليات الجينية التي تعتمدها بكتيريا إي كلاي E.Coli في مقاومة المضادات الحيوية. علما أن هذه البكتيريا تسبب التهاب المسالك البولية.

المشكلة تتفاقم باستمرار
يُقدّر أن 60% من إصابات الجهاز التنفسي في أمريكا وأوروبا تسببها بكتيريا مقاومة لمضاد حيوي واحد على الأقل. ومنذ أواخر عام 2009 ظهر صنف من بكتيريا إي كلاي، ويرمز له NDM-1 مقاوم لكافة المضادات الحيوية المعروفة، وهو آخذ في الانتشار في أنحاء العالم. وفي المقابل، فان ابتكار وتطوير مضادات حيوية جديدة قد تناقص بنسبة 75% منذ عام 1983.

إنها إذن مشكلة كبيرة وخطيرة، وليس مستبعدا أن نجد أنفسنا فجأة عاجزين عن المقاومة في مواجهة سلالات جديدة من البكتيريا الممرضة أو القاتلة.

البكتيريا تتفاوت في مقاومتها
يسود الاعتقاد لدى العاملين في القطاع الطبي، من أطباء وصيادلة ومختبرات طبية، أن تحديد مقاومة سلاسة بكتيرية معينة لمضاد حيوي معين مهمة سهلة. إذ يكفي أن تؤخذ عينة من المريض ثم تعرض البكتيريا التي تحتويها العينة لمضاد حيوي أو أكثر، من أجل تحديد فعالية المضاد في علاج المرض. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ أن هذه الدراسة الأخيرة، التي قام بها كلنز وزملاؤه، قد أظهرت أن أفراد البكتيريا ضمن المستعمرة نفسها، تتفاوت في قدرتها على مقاومة المضادات الحيوية. بل أنه يكفي تواجد عدد من الأفراد المقاومة للمضاد الحيوي من أجل حماية المستعمرة بأكملها.

إن هذا الكشف قد يجعلنا نشكك في فعالية الآلية المستخدمة حاليا. وفي مدى تمثيل العينة المأخوذة لكامل المستعمرة البكتيرية. وهذا يغير تغييرا جذريا مفهوم الباحثين فيما يتعلق بكيفية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.

هدفت تجربة كلنز إلى تحديد آليات المقاومة لدى بكتيريا إي كلاي، لمضاد حيوي يدعى norfloxacine وجرى أخذ عينات من البكتيريا على فترات منتظمة من أجل كشف أية أفراد تكتسب المقاومة. تبين بعد بضعة أيام من التجارب بأن تعريض أفراد بكتيريا منعزلة لتركيز منخفض من المضاد كان كافيا لقتلها. لكن الأفراد الموجودة ضمن مستعمرتها أظهرت مقاومة أكبر للتركيز نفسه من المضاد، كما لو أن البكتيريا بحاجة لوجود أشقائها بجانبها حتى تقاوم مفعول المضاد.

وبعد تكرار أخذ العينات، اكتشف الباحثون وجود عدة أفراد من هذه البكتيريا ذات مقاومة كبيرة للمضاد، وتبين أن عددها لا يزيد عن 1% من المستعمرة. وهنا أثير التساؤل: هل أن وجود هذه الأفراد القوية في المستعمرة يكفي لتحسين مقاومة الجميع للمضاد؟ وبمواصلة التجارب انكشف السر. لاحظ الباحثون أن الأفراد القوية من البكتيريا عندما تتعرض للمضاد الحيوي، تفرز بغزارة جزيئا يدعى الأندول. وهو يعتبر سلاحا تحمله البكتيريا عند تواجدها في بيئة معادية وخطرة. وفي العادة فإن المضاد الحيوي يحرم البكتيريا من قدرتها على إفراز هذا الجزيء. لكن البكتيريا القوية قد حصلت فيها طفرة جينية جعلتها لا تتأثر بالمضاد الحيوي. وبالتالي فإن جزيء الأندول الذي تفرزه بكميات كبيرة يفيد في حماية باقي أفراد المستعمرة. وقد تحقق الباحثون من صحة هذه الفرضية عندما عزلوا أفرادا عادية من البكتيريا وغمروها بجزيء الأندول، فلاحظوا أنها أصبحت مقاومة للمضاد الحيوي.

نستخلص من هذا أن البكتيريا القوية تعمل عمل جنود مسلحين يضحون بأنفسهم لحماية باقي المجموعة. وهذا يعني أن الإنسان ليس هو وحده الذي يتصف بالإيثار والرغبة في خدمة أفراد مجتمعه وحتى التضحية بنفسه من أجل استمرار وجودهم وبقائهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...