9‏/1‏/2011

معهد سويسري يدعو لتحويل القدس إلى "مدينة مفتوحة لتعليم السلم في العالم"

شاب فلسطيني يجلس في العراء بعد أن طرد مع عائلته من بيته الذي كان موجودا في مناطق استخدمت لبناء المستوطنات الإسرائيلية في ضواحي مدينة القدس



بدو الأوضاع في الشرق الأوسط متجهة إلى طريق مسدود بسبب تعثر المفاوضات والحلول السلمية واستمرار سياسة الإستيطان في الأراضي المحتلة وتواصل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006 على قطاع غزة، ولكن على الرغم من ذلك يواصل "معهد لاصّال" Lassalle السويسري مشروعه السلامي في القدس.



فقد سجلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهائيا في 8 ديسمبر تراجعا في سياستها الشرق أوسطية. إذ استسلمت في مواجهتها مع إسرائيل بخصوص بناء مستوطنات جديدة وتخلت عن مطالبتها بضرورة الالتزام بمهلة.

وبدون التأثر بهذا الواقع السياسي، يواصل "معهد لاصّال" الذي يوجد مقره في مدينة "باد شونبرون" Bad Schönbrunn بالقرب من مدينة تسوغ السويسرية، الذي يُعنى بتكوين الإطارات القيادية في الاقتصاد والسياسة وباقي المجالات الاجتماعية مع التركيز على الأخلاقيات، التمسك بإنجاز برنامجه الذي يحمل عنوان "القدس – مدينة مفتوحة لتعليم السلم في العالم"، كأهم برنامج في دوراته التدريبية.


وتقول بيا غيغر، العضوة في جمعية "كاتارينا فيركس" من مدينة بازل، وهي إحدى جمعيات الحوار الديني التي أسهمت في تأسيس "معهد لاصّال"، في تصريح لـ swissinfo.ch: "إن صيغة "القدس مدينة مفتوحة لتعليم السلام في العالم" مستوحاة من التقاليد العريقة لهده المدينة مهد الديانات الثلاث".


"أمل رغم كل المواقف المتشائمة"

وفي بداية نوفمبر الماضي، رخصت الإدارة الإسرائيلية لمدينة القدس بتشييد حوالي 1700 منزل جديد فوق الأراضي المحتلة في الضواحي المجاورة  مثل "حار حوما"، و"بيسغات زئيف"، و"راموت". وفي بداية شهر ديسمبر 2010 تم الترخيص ببناء 625 وحدة سكنية جديدة في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة المحتلة.

ولدى سؤالها عما إذا كانت هذه القرارات تحول فكرة "القدس مدينة مفتوحة" إلى سراب، أجابت بيا غيغر: "إذا كانت لديّ نظرة واضحة عن الإرادة السائدة لدى هذا الطرف أو ذاك وعن الواقع السياسي فلا يمكن اعتبار ذلك سرابا، بل أملا رغم كل المواقف المتشائمة".

من جهته، يرى نيكلاوس برانتشن، الذي شارك بيا جيجر في تأسيس "معهد لاصّال" في عام 1995، في حديث مع swissinfo.ch: "إن هناك واقعا يتمثل في فرض أمور على أرض الواقع في القدس الشرقية. ولكن هذا الواقع يتمثل أيضا في كون أحد شركائنا المهمين في مشروع القدس وهو رامي نصر الله من المعهد الدولي للسلام والتعاون في القدس استطاع في السنوات الأخيرة أن يمنع هدم 4000 منزل تقطنه عائلات فلسطينية. ولذلك يجب أن لا ننظر فقط لما هو سلبي بل يجب أن ننظر أيضا لما يتم القيام به لمواجهة ذلك".


مؤتمر القدس

السيدة غيغر والسيد برانتشن تحولا في شهر أكتوبر 2010 إلى مدينة القدس، حيث قاما بصحبة شركائهم من المعهد الدولي للسلام والتعاون في القدس ومن مركز "فوتورا" Futura الإسرائيلي بتنظيم أول مؤتمر عن "القدس والتحديات الكبرى للمدينة المقدسة"، تطرق أيضا لبعض عناصر التخطيط العمراني التي تعتبر مهمّة بالنسبة لمدينة القدس ولباقي المناطق المحيطة بها.

وأشارت بيا غيغر إلى أن "الأجواء التي كانت سائدة في المدينة مُحبِطة ولا تدفع للأمل"، ولكن مجرد انعقاد المؤتمر في مدينة القدس "يمثل نجاحا في حد ذاته"، بحسب رأي المعهدين الفلسطيني والإسرائيلي.


الحاجة إلى المزيد من جهود المصالحة

هنالك حاجة ماسة لمزيد من جهود المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثلما تقول بيا غيغر"لأن الطرفين يعانيان من صدمة الجروح، ونحن الأوربيون هم مصدر الصدمة لدى الإسرائيليين". إن ما نسمعه دوما: من الجانب الإسرائيلي هو عبارة الأمن، ومن الجانب الفلسطيني عبارة الإحتلال. وحتى ولو كان لهاتين العبارتين ما يبررهما، يجب على الناس أن يعرفوا "بأنه لا يمكن إحراز أي تقدم، وأننا نحتاج لتعبير آخر، كتعبير المصالحة مثلا".

ويذهب نيكلاوس برانتشن إلى أن الجانب الإسرائيلي هو الذي يبدو أنه لا يحترم مفهوم الشرف، "فالشرف عند العرب والفلسطينيين مهم جدا. وعندما نجد أنفسنا في نقطة تفتيش في الطريق إلى الأراضي المحتلة، يبدو وكأن مفهوم شرف الشعب الفلسطيني لا يحظى بالإهتمام المطلوب".

في المقابل، وعلى الجانب الإسرائيلي يبدو أن الحفاظ على حياة الفرد وحياة الشعب يعتبر مسألة محورية. وهو ما يبرر بدوره الحاجة الى الأمن، "ولكن حب الحياة أمر طبيعي حتى بالنسبة للطرف الثاني، والشرف من حق كل إنسان"، كما يقول برانتشن.


القدس أولوية قصوى

تحاول إسرائيل جاهدة استبعاد موضوع القدس من مفاوضات السلام، لأنها ترغب في الإحتفاظ بالمدينة موحدة وغير مقسمة باعتبارها "عاصمة للدولة اليهودية"، لكن كلاوس برانتشن يرى أنه "يجب عدم نسيان القدس بل وضعها في أول قائمة الأولويات".

هذا الأمر ما تتفق حوله الأطراف المشاركة في البرنامج الذي أطلقه معهد "لاصّال"، وتؤكد على عدم اقصاء موضوع القدس من المفاوضات كما أنه "يجب أن لا تتم مطالبة إسرائيل فقط بل أيضا المحافل الدولية بأن يكون موضوع القدس على رأس قائمة المفاوضات".


ضاعت فرصة حل الدولتين؟

إن البناء المكثف للمستوطنات، وتجزئة الأراضي المحتلة في الضفة الغربية سوف لن يعملا إلا على جعل حل الدولتين أمرا غير قابل للتحقيق أكثر فأكثر. ولكن اثنين من المناصرين لمشروع القدس، وهما رامي نصر الله من المركز الفلسطيني الدولي للسلم والتعاون، وشلومو حسون من مركز "فوتورا" الإسرائيلي، دافعا مؤخرا في نقاش بثه التلفزيون السويسري الناطق بالألمانية، على هذا المشروع باعتبار أنه يمثل "الإمكانية الوحيدة" من أجل التوصل إلى حل.

وعما إذا كانت تلك الفكرة خيالية، يجيب نيكلاوس برانتشن "ما دام الشريكان المهمّان بالنسبة لنا يدعمان حل الدولتين بعاصمة واحدة لشعبين ولثلاثة أديان، فإننا نساندهما في ذلك".

وبالطبع هناك اليوم - ومن الطرفين - أشخاص "يرغبون في دولة ديمقراطية واحدة يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون متساوين في الحقوق والواجبات"، مثلما تقول بيا غيغر التي ترى أن إصرار إسرائيل على تأكيد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، هو بمثابة "تسجيل هدف ضد مرماها"، لأنه - وفي هذا الميدان بالذات - يتوجب على الأديان أن تبحث عن نماذج وطرق تعايش جديدة بين البشر.


البعد الروحي

 رغم العقبات، يأمل كل من كلاوس برانتشن وبيا غيغر في أن يُسهم هذا المشروع الخاص بمدينة القدس، وبالإشتراك مع شركائهما الفلسطينيين والإسرائيليين، في التمهيد لمرحلة سلام في الشرق الأوسط.

وفي هذه الصدد يقول كلاوس برانتشن: "إننا لا نستوعب القوة في ذلك من أي تصور منطقي... بل من العقيدة الروحية. وهذا ما توحي لنا به مدينة القدس التي تؤوي الأديان الإبراهيمية الثلاثة. فهل من المجدي أن نتجند لذلك ليس فقط لصالح المدينة بل أيضا لصالح السلم في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع؟".        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...