2‏/12‏/2011

سرُ سماح القصر في المغرب للإسلاميين بالحكم الآن


 
حتى قبل ظهور نتائج الانتخابات لبرلمانية التي جرت يوم الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في المغرب، كان أكبر حزب إسلامي مشارك فيها وهو حزب "العدالة والتنمية"، غير مرغوب فيه من قبل الدوائر العليا في البلد. وقد شهد الحزب، الذي تصدر نتائج الانتخابات الأخيرة، مما أهله لقيادة الحكومة المقبلة، الكثير من المحاولات لتحجيم امتداده، وتقليص وجوده داخل المؤسسات، وتهميش خطابه على مستوى الإعلام الرسمي.
علاقة السلطة في المغرب بحزب العدالة والتنمية، الحديث النشأة نسبيا بما أنه لم يرى النور إلا عام 1997، عرفت الكثير من مراحل المد والجزر، وبلغت أحيانا مرحلة القطيعة، وكادت أن تصل في أحيان أخرى إلى حد منع الحزب من النشاط السياسي. فبعد تفجيرات 2003 بالدار البيضاء والتي اتهم فيها إسلاميون متطرفون، حمَل الإعلام الرسمي خطاب الحزب المسؤولية المعنوية في الترويج لخيار العنف وتبريراستعماله للوصول إلى أغراض سياسية. وهو ما نفاه الحزب، الذي عرف كيف يحافظ على هدوء أعصابه عندما شنت السلطة حملة إعلامية شرسة عليه لتشويه صورته أمام الرأي العام. واتخذت الحملة في أحيان أخرى طابعا أمنيا عندما تم الزج ببعض رموز الحزب في السجن بتهمة التورط في  الإرهاب، لتخويف الناس من الانضمام إلى صفوفه أو التصويت لصالحه.
وفي عام 2005، أسر الملك محمد السادس، لسيناتور أمريكي بأنه لا ثقة له في الإسلاميين، وقد كشف عن موقف الملك هذا من إسلاميي بلاده، في قصاصة بثها موقع "ويكيليكس"، ولم يصدر أي بيان رسمي من الدولة المغربية ينفى أو يؤكد ما جاء في تلك القصاصة عندما تم تداولها من قبل وسائل إعلام مغربية.

الحليف الإسترتيجي
علي انوزلا، مدير موقع "لكم" الاخباري المغربيوعندما اندلعت ثورات "الربيع العربي"، كانت أنظار السلطة حذرة تجاه الموقف الذي سيتبناه الإسلاميون تجاه حركة الاحتجاج التي خرجت إلى الشارع. وقد انقسم هذا الموقف ما بين إسلاميين ساندوا حركة الاحتجاج ومازالوا ينزلون مع شبابها إلى الشارع والمقصود حركة العدل والاحسان المحظورة، وما بين إسلاميين اصطفوا إلى جانب السلطة. وكان على رأس هؤلاء مناضلو حزب "العدالة والتنمية"، اللذين حاولوا أن يظهروا بمظهر الحليف الاستراتيجي للسلطة ضد حركات الاحتجاج المتأثرة بما حدث ويحدث في دول قريبة من المغرب شهدت ثورات غيرت أنظمتها الاستبدادية.
ورغم ما صدر عن إسلاميي "العدالة والتنمية" من مواقف وتصريحات تنتقد حركة الاحتجاج في الشارع وتعلن مساندتها للسلطة القائمة في المغرب، إلا أن عنصر الثقة ظل مفقودا فيهم من قبل ذات السلطة التي نصبوا أنفسهم مدافعين عنها. وعندما اضطر النظام الملكي في المغرب إلى تقديم تنازلات للمحتجين والإعلان عن إصلاحات دستورية، وجد الإسلاميون أنفسهم مقصيين من اللجنة الملكية التي عينها الملك لإعداد الدستور الجديد، رغم أنها ضمت أشخاصا يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي المغربي، ومع ذلك لم يحتج الإسلاميون، بل كانوا أكثر المدافعين عن الدستور الجديد.
وبالرغم من كل إشارات حسن النوايا التي حاولوا أن يبعثوها بعد ذلك إلى السلطة فقد ظلت هذه الأخيرة حذرة منهم، وتجلى ذلك في إقصائهم مرة أخرى من عضوية "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، وهو هيئة رسمية يعينها الملك. وعندما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية، شهدت الساحة السياسية ميلاد تحالف من أحزاب معروفة تقليديا بولائها للقصر، وأعلنت تلك الأحزاب صراحة أن هدفها هو وقف المد الإسلامي حتى لا يجتاح صناديق الاقتراع. وتمت قراءة ميلاد هذا التحالف على أنه جاء بإيعاز من السلطة التي كانت تتهيب من موجة الإسلاميين القادمة، خاصة بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب "النهضة" الإسلامي في تونس، والبروز القوي للخلفيات الإسلامية للثورات التي شهدتها وتشهدها دول عربية.

سقوط الفزاعة الإسلامية
لقد وضعت السلطة في المغرب، كل حساباتها من أجل الحد من وصول المد الإسلامي إلى المغرب، ومن خلال تجارب الانتخابات السابقة التي شهدها المغرب، فقد عرفت السلطة دائما كيف تتحكم فيها من خلال نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي ولوائح التسجيل فيها...وكلها آليات لضبط العملية الانتخابية والتحكم القبلي في نتائجها، بطرق تبدو قانونية حتى لا تثير الشكوك حول تدخل السلطة فيها. وكان متوقعا حتى قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة أن تلجأ السلطة إلى نفس عاداتها السابقة، وتهيئ للمشهد  السياسي الذي يتماشى مع الإشارات التي سبق وأن أطلقتها قبل الانتخابات ويظهر فيها توجه قوي نحو تحجيم بروز الإسلاميين على الساحة السياسية. فما الذي حصل حتى غيرت السلطة مسار توجهها، وسمحت بالسير العادي لقواعد اللعبة؟
هناك أكثر من قراءة لهذا التحول المفاجئ في موقف السلطة من الإسلاميين، الذين تحولوا ما بين ليلة وضحاها من فاعل لايمكن الثقة فيه إلى حليف مشارك في السلطة.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي قد تشكك في مصداقية الفوز البين الذي أعطته صناديق الاقتراع للإسلاميين، تطرح عدة تساؤلات حول التوقيت الحالي للسماح لمثل هذا الفوز للتعبير عن نفسه وبهذه القوة؟  فلو أديرت قواعد اللعبة بمثل الحياد الذي شهدته الانتخابات الأخيرة لكان هذا الفوز تحقق في انتخابات 2002، وهي أول انتخابات تشريعية في عهد الملك محمد السادس، وحينها طلب مباشرة من الإسلاميين تقليص مشاركتهم في الانتخابات حتى لا يكتسحوها، واستجابوا لأوامر وزارة الداخلية، ومع ذلك حصدوا نحو 42 مقعدا برلمانيا أي نحو ثمن أعضاء البرلمان آنذاك.
ومما لاشك فيه، فإن أحداث الربيع العربي التي تعيشها المنطقة، وتأثيرها في المناخ الدولي أسقطت نظرية الشك والريبة التي كانت تروجها الأنظمة عن إسلامييها، لتخويف الغرب منهم، وتستعملها كفزاعة لتبرير سلطويتها واستبدادها وفسادها.
والآن وبعد سقوط الفزاعة الإسلامية، سيجد الإسلاميون أنفسهم أمام اختبار جديد لاكتساب ثقة الشارع الذي تعاطف معهم في السابق كمعارضة مظلومة، وعليهم أم يثبتوا له اليوم أنهم يستحقون أيضا ثقته كسلطة حاكمة عادلة. أما في الحالة المغربية فإن الاختبار مزدوج وصعب في نفس الوقت، إذا على إسلاميي "العدالة والتنمية" أن يبرهنوا للسلطة أنهم شركاء نزيهين وفي نفس الوقت مستقلين. وأن يرسلوا للشارع رسائل تطمئنه على أنهم لن يستبدلوا ثقة ناخبيهم برضى السلطة وإغرائها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...