18‏/3‏/2013

لماذا بعض شعوب المناطق الشمالية ( الإسكيمو مثلا ) لديها بشرة داكنة رغم قلة تعرضها لأشعة الشمس؟


أولا لنحدد عددا من النقاط المهمة التي سنحتاج إليها للإجابة عن السؤال :

1/ كون البشرة فاتحة أو داكنة متعلق بكمية الميلانين الموجودة فيها: كلما زادت كمية الميلانين كلما كانت البشرة داكنة أكثر.
2/ كمية الميلانين الموجودة في الجلد متعلقة بعاملين: عامل جيني يحدد الكمية الاعتيادية، و عامل بيئي حيث يتزايد إنتاج الميلانين كلما تعرض الإنسان لأشعة الشمس أكثر.
3/ الميلانين يحمي الإنسان من الأشعة فوق البنفسجية، و لكن هذه الأخيرة ضرورية أيضا، بكميات قليلة، لإنتاج الفايتامين دي الذي يحمي ضد عدد من أنواع السرطان، مشاكل القلب، الأمراض العصبية، إلخ..
4/ تطور خاصية ما عند أي كائن حي لا يحدث على مستوى الفرد. الفرد يولد و يموت كما هو بخصائصه الجينية التي ولد بها. ما يحدث هو أنه على مستوى جماعة معينة تتغلب و تنتشر الخصائص التي تمكن أكبر عدد ممكن من الأفراد أن يستمروا في الحياة إلى أن يلدوا صغارا يمررون إليهم جيناتهم. مثال: لنفترض أن جماعة من البشر من إفريقيا هاجروا لأول مرة إلى أوروبا. سيكون هنالك عدد من الضغوط البيئية المطبقة على هذه الجماعة: اتقاء البرد، الحصول على الطعام، اتقاء الأمراض، إلخ.. الأفراد الذين سيمتلكون الخاصيات الجينية الكافية لتلافي هذه المصاعب ستكون لديهم فرصة أكبر في الاستمرار في الحياة و تمرير جيناتهم التي مكنتهم من ذلك، و بالتالي فالجينات الأفضل التي تمكن الفرد من تحقيق هذا الهدف ستنتشر أكثر فأكثر. في حالتنا نتحدث عن ضغط بيئي محدد و هو قلة أشعة الشمس مع ضرورة إنتاج كمية كافية من الفايتامين دي، و هو ما يجعل الأفراد ذوي البشرة الفاتحة أكثر في الظروف التي حددناها من قبل يمتلكون فرصة أكبر لتحقيق الهدف (الاستمرار في الحياة و تمرير جيناتهم للجيل القادم). و بالتالي يكفي أن تحدث طفرة واحدة لدى أحد الأفراد في الجين أو الجينات المسؤولة عن كمية الميلانين تقلل منها لكي يكون لديه امتياز على بقية أفراد مجموعته، بحيث تكون لديه و لدى ذريته فرصة أكبر في الاستمرار و الإنجاب، ما يعني أنه بعد مرور مدة زمنية معينة (500 سنة على الأقل حسب دراسة للعالمين نينا جابلونسكي و جورج شابلين) ستبدأ البشرة الفاتحة في الطغيان على خصائص المجموعة.

نعود الآن للسؤال الذي تم طرحه: باعتبار كل ما سبق، لماذا احتفظ الإسكيمو مثلا ببشرتهم الداكنة رغم وجودهم في منطقة لا تصلها كمية كافية من أشعة الشمس؟
هنالك إجابتان محتملتان: إما أنهم لم يعيشوا هناك مدة كافية لكي تطغى جينات البشرة الفاتحة على الحميلة الجينية لتلك الجماعة، أو أنهم يحصلون على الفايتامين دي بطريقة أخرى دون الحاجة للأشعة فوق البنفسجية.

الاحتمال الأول نعلم قطعا أنه خاطئ لأن أدلة تاريخية و حفرية تثبت وجودهم في المناطق الشمالية منذ ألفي سنة تقريبا. بقليل من البحث نجد أن الإجابة الثانية هي الصحيحة، حيث أن الإسكيمو يحصلون على كمية كافية من الفايتامين دي بتناول السمك كعنصر أساسي في طعامهم، و لذلك لم يكن الحصول على الفايتامين بزيادة تأثير الأشعة فوق البنفسجية (أي الحصول على بشرة فاتحة) عاملا محددا للاستمرار و البقاء لدى شعب الإسكيمو، ما يعني أنه حتى لو ولد فرد ما بينهم بطفرة جينية تمنحه بشرة فاتحة أكثر فلن يكون لديه أي امتياز على باقي أفراد المجموعة من هذه الناحية، حيث يحصلون جميعا على ما يكفي حاجتهم من الفايتامين دي بتناول السمك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...