عبد الكريم بركة *
لقد برز توتر العلاقات بين المغرب والجزائر منذ استقلال هذه الاخيرة سنة 1962،
ورغم سيادة حالة من التعاون التي امتدت لفترات من الزمن والتي تميزت بهدوء نسبي
من كلا الطرفين، الا ان الصورة الغالبة على العلاقات بين الاخوة الاعداء هي
صورة التوتر والحرب الباردة والمتحكم فيها عن بعد من كلا الطرفين، في حين ان
الاسباب المبهمة والمرتبطة اساسا بمجموعة من المؤثرات الخارجية والداخلية التي
تسببت في الوصول الى هذه الوضعية المعقدة واللاحل، جعلت البلدين يقتربان في
محطات عديدة الى المواجهة العسكرية المباشرة والمفتوحة بعدما خاضا تجربة حرب
الرمال التي افرزتها مشكلة الحدود بينهما في بؤرة التوتر "تيندوف".
وبين تشبث كل جهة على حدة بوجهة نظرها خصوصا في قضية الحدود بينهما، وبين
العوامل الخارجية برزت قضية الصحراء "الغربية".
فبعد التعاون والتلاحم الحاصل بين المغرب والجزائر ابان الثورة الجزائرية والتي
راح خلالها عدد من المجاهدين الجزائريين وكذا المغاربة، واحتضان المغرب لزعماء
الثورة بالجزائر ودعمهم بكل الوسائل، وذلك في اطار التعاون المغربي مع ثورة
التحرير الجزائرية، جعل المغرب يؤجل طرح قضية الحدود وعدم اثارتها انذاك الى
غاية استقلال الجزائر، وذلك طبعا كي لا يعتبر المغرب من جهة اخرى في نظر اخوانه
انه يطعن الثورة الجزائرية، بل يتوجب عليه هو كبلد مستقل انذاك تقديم العون من
اجل جلاء الاستعمار عن البلاد كليا.
وبعد استقلال الجزائر الجارة الشرقية للمغرب وبروز كيان جزائري مستقل، بادر
المغرب الى المطالبة بتحديد الحدود بينهما، الا ان نقطة الفصل بين مطالب الاول
والثاني هي المعاهدة التي جمعت المغرب وفرنسا بعد هزيمته امامها في معركة ايسلي
14 أوت 1844 على اثر دعمه لثورة الامير عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي
بالجزائر، وهي معاهدة "لالة مغنية" التي جمعت بين المغرب وفرنسا في 18 مارس
1845، وقد نصت بنودها على استمرار الحدود بين المغرب وفرنسا بالجزائر على ما
كانت عليه بين الاتراك والمغرب ابان التواجد العثماني بالجزائر، الا ان
الاتفاقية او المعاهدة المبرمة جعلت منذ الاول منطقة الصحراء في الجنوب الشرقي
للمغرب بين البلدين منطقة غامضة الحدود والانتماء ولم تحدد بشكل دقيق في
المعاهدة.
ولكن الاشكال الحاصل انذاك بين المغرب والجزائر بعد استقلالها هو مطالبة المغرب
بالحدود بينه وبين جيرانه في الشرق كما كانت قبل مجيء الاستعمار الفرنسي الى
الجزائر وكما نصت عليها معاهدة "لالة مغنية"، فيما الجزائر تتشبث وتدافع عن
حدودها كما ورثتها عن الاستعمار بعد جلائه، حيث ان فرنسا وقّعت معاهدات اخرى مع
المغرب في شأن الحدود اهمها سنة 1901 و1902، والتي كان الهدف منها اساسا هو سعي
فرنسا لتعزيز وتثبيت وجودها في الجزائر، مما جعلها تتوغل بشكل تدريجي داخل
المغرب منتقصة بذلك من ترابه الوطني بشكل متدرج ومستمر الى ان جرته لتوقيع
الحماية واحتلاله بشكل مباشر.
بعد استقلال الجزائر عادت قضية الحدود بين البلدين الى الواجهة، حيث سادت حالة
من الحدة والتشاحن بين الطرفين طيلة شهري يوليو وسبتمبر من سنة 1963 والتي نتج
عنها مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين والاولى من نوعها بين المغرب والجزائر
منذ بداية النزاع والتي تعرف بحرب الرمال وحدثت شهر اكتوبر 1963.
وبفضل التجربة الحربية التي راكمتها القوات المغربية على مر سنوات من الاستقلال
وخلال الاستعمار ايضا، والتي ذابت فيها كل مكونات المقاومة المغربية وجيش
التحرير الذي شكل النواة الاولى للجيش المغربي بعد الاستقلال، اضافة الى الحنكة
الحربية التي اتى بها مجموعة من المجندين المغاربة في مختلف الحروب العالمية
خصوصا بأوربا واسيا الى جانب فرنسا والولايات المتحدة الامريكية ابان الحرب
العالمية الثانية وما بعدها، تمكن الجيش المغربي من التقدم نحو منطقة النزاع
تيندوف انذاك منطقة النزاع الرئيسي، حيث اعلن قواد الجيش المغربي في بضعة ايام
بعد ذلك السيطرة على تيندوف نقطة الاحتكاك.
وبعد ذلك دخل الجاران في مفاوضات باءت بالفشل وشارك فيها انذاك الرئيس الحالي
للجزائر عبد العزيز بوتفليقة، الا ان تدخلات عاجلة من طرف مجموعة من الدول
المغاربية والافريقية وكذا العربية ايضا لاحتواء الموقف الحاد والمشحون بين
الاخوة الاعداء، خصوصا بعد عقد مجموعة من اللقاءات في مصر اثناء انعقاد القمة
العربية سنة 1964 بمصر، والتي لم تفض الى اي نتيجة تذكر، حيث تم بعد ذلك فقط
احتواء النزيف بمعالجة بعض اسباب النزاع الحاصل، ليبقى مشكل الحدود بين البلدين
معلقا الى اجل غير مسمى، حيث سادت مرحلة من الصمت البارد بين الطرفين.
وقد بادر المغرب الى المطالبة من جديد بضرورة وضع حل لهذا النزاع الذي يؤرقه
خصوصا بعد كل ما اسفرت عنه مجموعة من التنقيبات في منطقة النزاع والتي اعلنت عن
اكتشاف مجموعة من المعادن في بؤرة النزاع من اهمها معدن الحديد والمتواجد
بكميات هائلة في المنطقة، الامر الذي جعل كلا الطرفين يتشبث بالمنطقة المتنازع
عليها الى ابعد حدود.
وقد تزامن اكتشاف هذه الثروات مع انقسام العالم الى معسكرين: شرقي الاشتراكي
بقيادة الاتحاد السوفياتي، وغربي رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
وهنا اخذ نزاع الاخوة بعدا دوليا خصوصا بعد الانقسام الحاصل في الايديولوجيا
المتبعة من طرف كل بلد على حدة، حيث اصطفت الجزائر مع المعسكر الشرقي وتبنت
الخيار الاشتراكي والجمهوري للحكم خصوصا بعد الانقلاب الشهير بالجزائر المعروف
بانقلاب بومدين سنة 1965، وبالمقابل انضمم المغرب الى المعسكر الرأسمالي وراء
فرنسا والولايات المتحدة الامريكية مراعاة لمصالحه المرتبطة اساسا بالراسمالية.
دور العامل الدولي
على اثر هذه الانقسامات اخذ النزاع الحدودي المغربي-الجزائري بعدا دوليا في
صورة مصغرة للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وبشكل اكثر حدة، وقد
تميزت مرحلته بالبرود واستعراض العضلات والتسابق نحو التسلح والذي مازال مستمرا
الى اليوم، الا ان استمرار التوتر والاصطدامات العسكرية في المنطقة بين قوات
البلدين طيلة سنتين من الزمن، خسرت خلالها الدولتان اموالا طائلة اضافة الى
تكبدهما خسائر بشرية هامة في صفوف الجنود من كلا الجانبين، ادى بالمغرب الى طرح
قضية النزاع مع جارته الشرقية على هيئة الامم المتحدة للبت فيه بشكل نهائي وهو
الأمر الذي لم يتم رغم مجموعة من المجهودات المبذولة من مختلف الجهات عالميا.
مباشرة بعد حرب الرمال 1963 باشر البلدان حربا من نوع اخر عبر الاعلام، خصوصا
في ظل تخوف المغرب من الدور البارز الذي اضحت تلعبه الجزائر على المستوى القاري
وعلى مستوى المنطقة المغاربية بشكل خاص، اضافة الى تخوفات المغرب من الامتداد
الجزائري الى داخله والهيمنة على مجموعة من شرايينه الحساسة، وفي سياق الحرب
الاعلامية التي اخذت طابعا ايديولوجيا اعتبر خلالها العاهل المغربي ان طبيعة
النظام الذي تبناه المغرب هو ما يقلق الجزائر اكثر، في حين اعتبرت الجزائر
العكس حيث ان طبيعة النظام الذي اتبعته الجزائر هو ما يقلق راحة المغرب، وقد
كان هذا حافزا للجزائر لدعم بعض الفصائل والحركات المتبنية للافكار الاشتراكية
بالمغرب انذاك، والمحسوبة على المعارضة بالمغرب بشكل عام في تلك الاونة.
بعد اكتشاف الحديد بمنطقة تيندوف انفتح الطرفان المتنازعان على افكار وخطط
جديدة، سواء من الجانب المغربي المنهك والذي يريد حل النزاع بأقل خسارة ممكنة
حتى ولو كان مسيطرا على نقطة النزاع التي تراجع عنها فيما بعد، او من الجانب
الجزائري الذي بانت له خطط جديدة في المنطقة بعد هذا الحدث الهام، حتى وان حصلت
الجزائر على نقطة النزاع تيندوف بعد تراجع المغرب عنها لصالحها، بقي الاشكال
المطروح هو كيفية استغلال الحديد المكتشف نظرا لبعد ساحله الشمالي والذي يكلف
اكثر ان فكر الجانب الجزائري في استغلاله عبر الساحل المتوسطي، وذلك نظرا لبعد
تيندوف عن المتوسط بذلك تكون تكلفة نقل الحديد تفوق مصاريف انتاجه.
وقد حتمت الوضعية التي وصل اليها النزاع بالدخول في مفاوضات جادة ومباشرة مع
المغرب ونخص منها بالذكر المفاوضات التي عرفت بمفاوضات ايفران في 15 يناير 1969
ثم بعدها مفاوضات 27 ماي 1970، لتليها مفاوضات سنة 1972، والتي اسفرت كلها عن
معاهدة مغربية- جزائرية تخص الحدود بينهما، وقد نصت بالخصوص وبالدرجة الاولى
على اعتراف المغرب بجزائرية تيندوف مقابل مشاركته في انتاج وتسويق الحديد
المكتشف بتيندوف، بالاضافة الى دعم الجزائر لمغربية الصحراء التي كانت ماتزال
تحت السيطرة الاسبانية.
وبعد المعاهدة مباشرة خرجت اصوات رفيعة المستوى من الجزائر مؤيدة للحق المغربي
بالصحراء، فيما كانت اهم التصريحات هي التي خرج بها الرئيس الجزائري انذاك
الهواري بومدين خلال القمة العربية المنظمة بالرباط اكتوبر 1974، والتي تفيد
بالحرف ان مشكلة الصحراء لا تهم الجزائر في شيء بل تهم موريتانيا والمغرب فقط،
اضافة الى ان الجزائر تدعم حق المغرب في مطالبته بمدينتي سبتة ومليلية والجزر
المتوسطية المحتلة من طرف اسبانيا.
وبعد تصريحات الرئيس الجزائري بالرباط بادرت اسبانيا الى تقوية علاقاتها مع
الجزائر تحسبا لأي طارئ وكثفت من تحركاتها الديبلوماسية تجاه الجزائر منتهجة في
ذلك ممارسة ضغوط على الدولة الجزائرية وجرها الى ان توقع معها مجموعة من
الاتفاقيات المختلفة المحتوى صيانة وحفظا لمصالحها في المغرب وبقاء الجزائر
بعيدة عنها على المستوى الترابي المغربي وفي المقابل قريبة منها من الجانب
التجاري والاقتصادي خصوصا في مجال النفط والغاز، وكل ذلك تحسبا لأي طارئ قد
يفرز مطالبة المغرب بالمدينتين بشكل جدي ومباشر، اضافة الى رغبتها في ترك
ميراثها بالصحراء محل خلاف لأطول مدة ممكنة لإشغال المغرب وإلهائه عن المطالبة
بباقي اراضيه المحتلة من طرف اسبانيا وخصوصا مدينتي سبتة ومليلية، بعد اقتراب
المغرب من حسم النزاع حول الصحراء لصالحه.
وبعد اقتراب موعد انسحاب اسبانيا من الصحراء لصالح المغرب، وبعد تقوية علاقات
الاولى مع الجزائر وجدت هذه الاخيرة نفسها دون اية مكاسب من الصحراء خلاف ندها
المغرب الذي خرج الرابح الأكبر من اللعبة، مما ادى بها الى تغيير مواقفها تجاه
المغرب خصوصا بعد التوصل الى توقيع معاهدة ايفران السالفة الذكر بين الطرفين
وبالمقابل ظهور بوادر نزاع جديد بين المغرب وجبهة البوليزاريو التي اشتد عودها
في هذه الآونة، لذا كانت حسابات الجزائر على غير اتفاقها مع المغرب الا وهي دعم
مشروع دولة صحراوية لتجاوز الممر المغربي لاستغلال الحديد بذلك يكون لها ممر
عبر الصحراء دون اية تكلفة كبيرة مقابل مشاركة المغرب في استغلال حديد تيندوف.
بذلك انقلب الموقف الجزائري مائة وثمانين درجة من معاهدة مع المغرب على مغربية
الصحراء الى دعم قيام دولة صحراوية، حيث ظهرت بوادر انقلاب الموقف الجزائري منذ
سنة 1975 مع اقتراب تنظيم المسيرة الخضراء من طرف المغرب بقيادة مباشرة من
العاهل المغربي انذاك الراحل الحسن الثاني، وبذلك تكون اسبانيا قد ساهمت بشكل
جذري ومباشر في تأزيم الوضع بين المغرب والجزائر قصد تهربها من الخروج من
مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية التي ما تزال تقع تحت السيطرة الاسبانية
الى اليوم، هذا من جانب اسبانيا ودورها في تعقيد الوضع بالمنطقة لخدمة مصالحها
بشمال المغرب وجنوبه بشكل خاص.
ومن جانب اخر فالمنطقة تاريخيا وفي الماضي القريب تعتبر منطقة النفوذ التقليدي
لفرنسا باعتبار انها منطقة استعمارية فرنسية وذلك ما عزز نفوذها في المنطقة
بأسرها، وخولها ذلك لتلعب ادوارا عديدة داخل دواليب سياسات ومراكز القرار في
كلا البلدين.
ومن جهة اخرى ارتكزت سياسات القوى الدولية المنقسمة الى قسمين انذاك بالتحكم في
العلاقات بين المغرب والجزائر والتي سعت بشكل جاد الى موازنة قوى الطرفين سواء
قبل الحرب الباردة او بعدها حسب الاولويات التي حددتها العوامل الدولية
المتحكمة بشكل مباشر في المنطقة خصوصا وانها ترى في الجزائر خزانا عالميا للنفط
وفي المغرب موقعا جغرافيا استراتيجيا بالنسبة للمنطقة المغاربية او على المستوى
العالمي، ناهيك عن اعتباره والى اليوم موقعا ذا نفوذ دولي عالمي على غرار باقي
الدول المغاربية مما عزز تقويته على جميع المستويات وجعله اقرب الى جل المناطق
العالمية خصوصا منها من اوربا وامريكا وجعله حلقة وصل بينها وبين العالم
الافريقي والعربي بالشرق، ومن وجهة نظر اخرى فالمنطقة بأسرها تعتبر سوقا ممتازة
لترويج تجارة الاسلحة وتجربتها ايضا دون اية عقوبات او مراقبة.
ورغم انتهاء الحرب الباردة العالمية بسقوط الاتحاد السوفياتي وانحلاله الا ان
الجزائر حافظت على علاقاتها مع روسيا والتي استمرت بدورها في تبني اطروحة
الجزائر في الصحراء داخل مجلس الامن والامم المتحدة، الا ان المغرب ايضا قوى
علاقاته التاريخية اكثر مع حلفائه السابقين خصوصا مع الولايات المتحدة
الامريكية والتي اصبحت تراعي اكثر المطالب المغربية بخصوص الصحراء والنزاع
المفتعل فيها غير بعيد عن المنتظم الدولي.
ونستخلص من كل هذه العوامل الدولية الفاعلة في العلاقات المغربية الجزائرية
بالدرجة الاولى ان اسبانيا قصدت اشغال المغرب عن مطالبته بمجموعة من اراضيه
خصوصا اراضيه المحتلة من طرف اسبانيا بالشمال، والهائه من جهة اخرى عن المطالبة
بمنطقة تيندوف وما جاورها من جارته الشرقية الجزائر، خصوصا بعدما نقضت المعاهدة
التي ابرمتها معه بعد مفاوضات ايفران، ومن جانب اخر قوت الولايات المتحدة
الامريكية وضع المغرب حليفه التاريخي الاول بالمنطقة تخوفا من المد السوفياتي
سابقا والروسي حاليا وانفرادها بالقرار في المنطقة، اما فرنسا فقد حرصت على
الحفاظ بقوة على علاقاتها مع كلا البلدين نظرا لتضارب مصالحها في حالة انحيازها
لأي طرف من الاطراف لتخرج هي الرابح الأكبر في افتعال وتعميق جراح النزيف بين
المغرب والجزائر.
بذلك تكون العوامل الدولية ساهمت في تأزيم علاقة الاخوين الجارين المغرب
والجزائر مخافة اتفاقهما من جانب ثالث وتفرغهما لمواضيع اخرى تهم الشأن الدولي
والافريقي ثم الاسلامي بالدرجة الاولى، خصوصا بعدما اعرب البلدان بشكل مباشر عن
اهتمامهما الكبير بالقضايا الاسلامية ومنها قضايا الشرق الاوسط.
طرف جديد على خط الصراع
منذ سنة 1976 بسنة بعد المسيرة الخضراء الى غاية ثمانينيات القرن الماضي اتسمت
العلاقات بين الطرفين في ظل تواجد طرف جديد وهو جبهة البوليزاريو، بوجود تقدم
بطيء للاداء الجزائري في ظل ترحيب خفي وحذر من القوى الاجنبية التي تسعى الى
احداث توازن اقليمي يضمن استمرار النزاع بل ويزيد من تعقيده بشكل اكبر حدة دون
ترجيح الكفة الى اي طرف من الاطراف المتنازعة، وقد برز خلال هذه المرحلة الهامة
من الصراع عاملان صادران عن كتلة التحالف الاول عن جبهة البوليزاريو والثاني
صادر عن الجزائر وهما: تحديد الجزائر كحليف استراتيجي لجبهة البوليزاريو.
وقد بدت بوادره خلال المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو 25 أوت سنة 1974، وبعد
المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب في 06 نوفمبر 1975 ليسترجع المغرب للصحراء،
بذلك اصبح المغرب حسب جبهة البوليزاريو هو المستعمر في الصحراء وفي نظر المغرب
انه قد استرجع جزءا لا يتجزأ من اراضيه.
وقد بدأت الجبهة في التنسيق مع اسبانيا لضمان مساعدتها في الانتشار داخل
الصحراء، لترتمي الجبهة كليا في المشروع الجزائري الرامي الى فتح واجهة اطلسية
تتوج نهائيا بالاعلان عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير
1976 ليلي ذلك نوع من الاستقواء من جانب الجبهة خصوصا بعد ان وفرت لها الجزائر
بواسطة ضغطها الديبلوماسي دعم مجموعة من الدول خصوصا منها المتبنية للطرح
الاشتراكي والتي دعمت البوليزاريو ودولتها، خصوصا وان المغرب لم يستقطب الجبهة
قبل ذلك بل دفعها للارتماء باحضان الجزائر بعد التجربة المريرة التي عاشها مؤسس
الجبهة عندما جاء لجلب الدعم من داخل المغرب.
أما العامل الثاني والذي صدر عن الجزائر خصوصا بعد سياسة التجاهل التي مارسها
المغرب مع جارته الشرقية بعد استرجاع الصحراء، مما حدا بالجزائر الى ان تفكر في
ان استرجاع المغرب للصحراء ليس الا تهديدا لوحدتها واداة تؤدي الى خنقها
وتطويقها ومقدمة لاجهاض ثورتها.
وقد صرح بذلك الرئيس الجزائري انذاك بومدين في خطابه يوم 24 فبراير 1976، لذلك
رفضت الجزائر اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر 1975 مما ادى بها الى تبني
الطرح والخيار القاضي بخوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية واقتصادية طويلة الامد
بعد المسيرة الخضراء وهذا ما تبين بالوضوح حيث وصل الطرفان الى ثاني مواجهة
عسكرية مغربية جزائرية عرفت بمعركة "امغالا" يوم 26 يناير 1976 والتي استمرت
لثلاثة ايام، واعلن خلالها الجنود المغاربة انهم اسروا حوالي 100 جندي جزائري،
لينتهي النزال العسكري القوي والمباشر بالوساطة المصرية في شخص الرئيس حسني
مبارك ثم بعد ذلك تمت تحركات من جانب مجموعة من الدول العربية لتطويق الازمة،
لتتبنى الجزائر اطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي بعد عدة مواجهات ديبلوماسية
كثيفة بين الطرفين بعدما عرفت الجزائر انها معنية مباشرة بالنزاع حول الصحراء.
كل هذه الاسباب جعلت الجزائر تتبنى اطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي ونهج
اسلوب الحرب بالوكالة مع المغرب عن طريق جبهة البوليزاريو من اجل اقلاق راحة
المغرب كلما سنحت الفرصة بذلك، وقد اسفر ذلك عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع
المغرب طيلة ما يقارب 12 سنة من الزمن منذ 1976 الى غاية 1988 ليتم غلق الحدود
بين البلدين بشكل نهائي والذي توج ايضا بطرد المغاربة من الجزائر في ذات السنة،
ما اعطى مزيدا من الضغط الدبلوماسي على موريتانيا الذي ادى الى انقلاب عسكري
على النظام هناك في يوليو 1978، ما ادى الى تسليم منطقة وادي الذهب التي كانت
من لموريتانيا حسب اتفاقية مدريد، الى البوليساريو عبر اتفاق بينهما في 5 أوت
سنة 1979، ما افضى الى انسحاب موريتانيا من اتفاقية مدريد، حيث نتج عن ذلك
فقدان المغرب لحليف له اهمية مركزية في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية
وهذا ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الدبلوماسي والتي تمكنت به من توفير اعتراف
عدد لا يستهان به من الدول بالجمهورية الصحراوية والتي وصل عددها لأزيد من
سبعين اعترافا، وقد غيرت بعض الدول الافريقية منها بالخصوص من موقفها مباشرة
بعد انسحاب موريتانيا من دائرة النزاع.
وقد ببرز تخوف الجنوب الاوروبي من الناحية الامنية بالخصوص نظرا لتواجده على
بعد مرمى حجر من المنطقة المغاربية ما جعل من الوضع القائم بين البلدين محط
اهتمام شديد لدى اوروبا، اضافة الى الاوضاع الدولية والاقليمية التي مر بها
العالم خلال بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ما أدى الى دخول المغرب
والجزائر في مفاوضات سرية سنة 1981 توجت بالفشل بدواعي تناقض وتباعد رؤية
البلدين وتوجهاتهما جذريا وفي امور اساسية لدى كل منهما.
حيث ترى الجزائر ضرورة اشراك البوليساريو كمفاوض اصيل في النزاع مع وساطة
جزائرية، و اقامة الجمهورية الصحراوية على اساس حدود معترف بها والتي يتم
الاتفاق بشأنها بين الاطراف المتنازعة، وكون اتحاد المغرب العربي هو الاطار
المناسب لاستغلال خيرات المنطقة بكاملها، رامية بذلك ورافضة للاتفاقية المعروفة
بمفاوضات افران المذكورة سابقا.
في حين كان الموقف المغربي مغايرا تماما لما كشفت عنه المواقف الجزائرية حيث ان
المغرب كان يرى انه لا داعي لاشراك البوليزاريو في المفتوضات نظرا لعدم اعترافه
بالكيان الجديد الذي يعتبر فتيا بالمنطقة ولم يكن له وجود اساسا سواء على
المستوى التاريخي او على جميع المستويات حيث كانت المنطقة تابعة للتراب المغربي
منذ ازيد من قرون مضت، لذا ركز الموقف المغربي على المفاوضات مع الجزائر على
ضرورة التنصيص والاقرار بمغربية الصحراء وتطبيق قرارات منظمة الوحدة الافريقية
المنصوص عليها خصوصا منها قرارات نيروبي الثانية والقاضية بوقف اطلاق النار
واجراء الاستفتاء في المنطقة طبقا للشروط التي وضعها المغرب في الاتفاق الاطار
دون التمييز بين ساكنة المنطقة.
بعد ذلك تمكن المغرب من تحقيق خروق ديبلوماسية واستفاد من الدعم العسكري
للولايات المتحدة الامريكية خصوصا خلال ولاية رونالد ريغان الذي دعم بدوره
نظرية التوازن العسكري بمنطقة غرب الشمال الافريقي حيث اعتمد المغرب شقين من
الدفاعات العسكرية الميدانية، وقد مثلت الاولى منها عمليات تمشيط الاقاليم
"الجنوبية" او الصحراوية والقضاء على اي تواجد للقوات الجزائرية بكل انواعها
ونسف تواجد اي قوات تمثل جبهة البوليزاريو بالمنطقة المتنازع عليها.
في حين تمثل الشق الثاني من الاستراتيجيات العسكرية التي نهجها المغرب خلال
المرحلة، في اقامة جدار دفاعي رملي حجري مع احداث مراكز مراقبة بالرادار مقابل
توفير حماية بحقول من الألغام في المناطق التي لا تغطيها الرادارات، حيث
انجزتها شركات محسوبة على امريكا بتمويل امريكي وذلك لخلق توازن امني وعسكري
بالمنطقة في ظل استقواء الجبهة بالجزائر على خصمهما المغرب.
بعد هذه الفترة المائجة بالتطورات بدأ التحضير لإنشاء اتحاد مغاربي وخصوصا
بعدما وجدت أرضية لتفاهم مغربي اممي حول مشروع تسوية لقضية الصحراء بشكل نهائي،
الا ان النصف الثاني من الثمانينيات عرف تغيرات اقليمية نذكر منها خصوصا تراجع
عائدات المحروقات الجزائرية في حين ارتفعت الاعباء السياسية والاجتماعية
الناجمة عن تحمل تكاليف احتضان البوليساريو خصوصا منها ساكنة ولاجئي مخيمات
تيندوف.
إضافة إلى خمود الحرب الباردة مع انهيار االمعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد
السوفياتي نهائيا مقابل أفول قوة الولايات المتحدة الامريكية والتي اضحت تسمى
شرطي العالم، ورفع درجة تركيزها وتاثيرها على المنطقة المغاربية أمنيا بالخصوص
واقتصاديا واجتماعيا نظرا للوضع الاستراتيجي للمنطقة ودورها في لعب الادوار
الطلائعية خصوصا منها الاهتمام الذي ابدته منذ البداية بقضايا الشرق الاوسط
ومدى ارتباطها بها جذريا.
موقف البوليزاريو
ترى جبهة البوليساريو انها الطرف الثاني في النزاع حول الصحراء بعدما كان
النزاع في بادئ الامر بين المغرب والجزائر، فالجبهة هي من ايدت المشروع
الجزائري الذي ينادي بالحق في تقرير الصحراويين لمصيرهم منذ تأسيسها حوالي
ثلاثة عقود من الزمن لحد الان، وهي اليوم تنادي بشكل علني ومباشر بقيام دولة
مستقلة عن المغرب في الصحراء، وقد تطور صراعها مع المغرب من الحرب الى وقف
اطلاق النار ثم الى مفاوضات برعاية الامم المتحدة والتي مازالت جارية الى يومنا
هذا.
وقد اعلن في بادئ الامر يوم 10 مايو 1973 عن تكوين ما يعرف بالبوليزاريو او
الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ابان الاستعمار الاسباني
للصحراء، الا انه بعد استرجاع هذه المناطق الصحراوية من طرف المغرب على اثر
المسيرة الخضراء في 06 نوفمر 1975، تم الاعلان بعدها في 26 فبراير 1976 عن
انشاء الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية التي ظل مقرها تيندوف بجنوب
الجزائر، وقد ظلت جبهة البوليزاريو تدافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
واستقلاله، في حين ظلت المملكة المغربية تعلن ان الصحراء جزء لا يتجزأ من
ترابها ولكل من الطرفين وجهة نظر خاصة بها.
الا ان جبهة البوليزاريو اليوم لا تمثل جميع الصحراويين بل جزء منهم فقط، لذلك
بقي المغرب يتهم الجزائر باختطاف والتسبب في نزوح عدد من مواطنيه الصحراويين
وجمعهم في مخيمات تيندوف لمدة زادت عن ثلاثة عقود، في حين ان الجبهة تتهم
المغرب باغتيال حقوق الصحراويين وطردهم الى مخيمات تيندوف.
محاولات أممية لتسوية النزاع
بعدما اضطر المغرب الى طرح مشكل النزاع على هيئة الامم المتحدة قصد البت في
نزاعه مع الجزائر بالدرجة الاولى وجبهة البوليزاريو التي انبثقت من قلب النزاع
المغربي الجزائري حول الحدود بينهما وحول مصالحهما المشتركة في الصحراء بشكل
عام، وبعدما عرف النزاع مجموعة من المحطات المهمة التي شارف فيها الاطراف
المتنازعة على خوض حرب مباشرة في مختلف مراحل النزاع منذ ظهوره.
وقد حاولت هيئة الامم المتحدة من جانبها ان تنهي النزاع بمجموعة من المقترحات
التي كان يقترحها الاطراف المتنازعة والتي كانت ايضا تستند على مجموعة من
المعطيات التي كانت قد توصلت وتتوصل بها منظمة الوحدة الافريقية الا ان
محاولاتها كانت تفشل نظرا لتقديم طعون من مختلف الاطراف في هذه المحاولات الى
ان قررت هيئة الامم المتحدة ان تعتمد على حل سياسي في الصحراء دون اللجوء الى
الحلول الاخرى.
ومن بين اهم الحلول التي اقترحت على الاطراف المتنازعة من اجل انهاء النزاع
المفتعل نذكر خصوصا:
ـ مقترح الاستفتاء: وهو مخطط سلام لتسوية النزاع تم اعداده سنة 1990 من طرف
منظمتي الامم المتحدة والوحدة الافريقية، ويهدف هذا المخطط الى تنظيم استفتاء
بالصحراء حيث يكون حرا وعادلا، الا ان حالة من التوتر عادت للنزاع من جديد جعل
المغرب يطعن في مجموعة من بنود هذا المخطط.
ـ الاستفتاء مع تطبيق اتفاق الاطار: وهو الاتفاق الذي توصلت إليه الجبهة
والدولة المغربية في المانيا بعد اجتماع في برلين مع المبعوث الأممي انذاك جيمس
بيكر سنة 2000، ليتم رفض اتفاق الاطار من طرف جبهة البوليزاريو حيث ترمي الى
استثناء مجموعة من السكان القاطنين بالصحراء من المشاركة في الاستفتاء بدعوى
انهم ليسوا صحراويين في حين ركز المغرب على انه لا يمكن ان يفرق بين مواطنيه في
الصحراء.
ـ تقسيم الصحراء: وهذا الحل هو الذي رفضه المغرب رفضا تاما ونهائيا والذي يرمي
الى تقسيم الصحراء بين الاطراف المتنازعة، حيث جاء تقرير الأمين العام الاسبق
كوفي عنان بمجموعة من المقترحات من اجل تسوية وانهاء النزاع وهي: اجراء
الاستفتاء، ومنح حكم ذاتي موسع في اطار السيادة المغربية، ثم تقسيم الصحراء بين
البوليساريو والمغرب، وسحب بعثة المينورسو من الصحراء.
وفي هذا الباب اعتبر المغرب ان الجزائر هي صاحبة اقتراح التقسيم، لينفجر صدام
مغربي جزائري في الافق، حيث اعلن المغرب ان هذا الموقف يبطل دعاوى "حق تقرير
المصير" التي كانت ترتكز عليها الجزائر في دعمها لجبهة البوليساريو معتبرا ان
هذا مناقض للمبادئ التي انبنى عليها الاتحاد المغاربي.
وقد تجدد نفس الامر لكن بحدة اقل في مناقشات مجلس الامن حول قضية الصحراء، مما
حدا بالمغرب الى اتهام الجزائر بمحاولة افشال الحل السياسي لقضية الصحراء، وان
خطة التقسيم تهدد المغرب بالبلقنة، وما زاد من تأزيم الوضعية اقدام بوتفليقة
على زيارة مخيمات تيندوف والتي عدت سابقة حيث لم يسبق ان قام بها رئيس جزائري
منذ 1976 وعاد بعدها ليعلن ان قضية الصحراء ليست ملفا يطوى ومصير الاتحاد
المغاربي مرهون بها، كما اكد في رسالة بعث بها الى زعيم جبهة البوليساريو
مواصلة الحكومة الجزائرية دعمها للجبهة وان الجزائر متشبثة بخيار تقرير المصير
كحل لنزاع الصحراء وما يستلزمه من تطبيق لخطة التسوية.
أطراف وأدوار
مثل اي قضية ساخنة في منطقة استراتيجية وعرة تشد انتباه القوى العظمى وجهات
الصراع على المصالح، استطاعت مشكلة الصحراء ان تستقطب عددا كبيرا من محاولات
الوساطة والتسوية السياسية من طرف جهات اجنبية عن المنطقة والتي لها علاقة
مباشرة مع هذه الأخيرة، ورغم ان معظم هذه المحاولات اصطدم بصعوبة او استحالة
الجمع بين مختلف الاطراف وما يريدون فانها هيأت لخيارات رئيسية استقر عليها
الحال، واصبح الحوار دائرا حولها استقلالا او جمعا لبعضها مع بعض كليا او
جزئيا، او تقسيما للمنطقة المتنازع عليها،.
وقبل التطرق لهذه الخيارات وحظوظها من النجاح على ضوء فلسفة الممكن ومنطق الامر
الواقع يجب التوقف عند الاطراف الاساسية في النزاع على المستويين الاقليمي
والعالمي ونذكر بالخصوص:
المغرب: ويعتبر قوة هامة في المنطقة لها تجربة الدولة ذات نفوذ هام في المحيط
الاقليمي، ويستند لعلاقات قوية مع فرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص ومع مجموعة
من الدول ذات الطابع القوي على المستوى العالمي، وقد سعى في مجموعة من المحطات
لحسم النزاع عمليا بضم معظم الاراضي الصحراوية، ولا يخفي المغرب قلقه من
استفتاء لا يخضع لشروطه ويخشى من تفاهم عدة اطراف ضده.
الجزائر: هي الداعم التقليدي لجبهة البوليزاريو والمستقبل له بعد اتفاقية
مدريد، ويتحدث النظام الجزائري عن خيانة موريتانية لصالح المغرب، واستطاعت
الجزائر ان تعبئ عددا كبيرا من الدول لصالح البوليزاريو ابان بداية النزاع
وافول نجم الاتحاد السوفياتي الذي نال اعجاب بعض الدول التي اتبعت النهج
الاشتراكي، وضمنت الجزائر على اثرها للجبهة غطاء سياسيا وعسكريا مكنها من
الصمود امام الهجمات المغربية المتكررة، وقد انشغلت بنفسها في عشرية التسعينات
بعد ان دخلت دوامة عنف وصراع داخلي.
جبهة البوليزاريو: رغم ان هذه الجبهة فقدت الاجواء المساندة للحركات التحررية
الثورية خصوصا منها الماركسية والاشتراكية مع سقوط المعسكر الشرقي، فانها لا
تزال الطرف الاهم المنازع للمغرب، وقد فقدت كثيرا من اوراقها بعد تراجع الانظمة
اليسارية عن دعمها وانشغال الجزائر بنفسها عنها، وتحاول الاستفادة من النزاع
الاسباني المغربي ومن الحذر الموريتاني التقليدي من المغرب، ولا تخفي ارتياحها
لعودة الاهتمام الجزائري بالملف.
موريتانيا: لم تعد طرفا اساسيا في النزاع وان فرض عليها قربها منه واشتراك
سكانها مع سكان الصحراء في القبيلة والعادات الاجتماعية ومتابعته والاهتمام
بتطوراته، كان من اهم الاسباب التي جعلت الجانب الموريتاني يبتعد كليا عن
النزاع هي تطوراته الداخلية التي افضت الى حصول مجموعة من الانقلابات.
اسبانيا: وضعها كمستعمر سابق لاقليم الصحراء والتوتر الحاصل في علاقاتها
المتذبذبة مع المغرب، سببان كافيان للاهتمام بملف الصحراء، وهي ليست طرفا
مباشرا في المفاوضات حول النزاع، لكنها لا تريد للمغرب التخلص منه ضما او
انسحابا، فملف سبته ومليله يحتاج انشغالا مستمرا للرباط مما جعل مدريد تميل الى
عدم حل نزاع الصحراء بشتى تشعباته، وميلها اكثر الى بقاء الحال على ما هو عليه
او بلقنته اكثر من ذلك.
فرنسا: دورها تأخذه من علاقتها التقليدية بالمنطقة حيث كانت تستعمر الدول ذات
الصلة المباشرة بالملف، كما انها ظلت تحتفظ بعلاقات جيدة مع انظمتها المتعاقبة،
ولا تخفي ميلها الظاهر للمغرب بحكم استقرار علاقاتها معه واستقرار الهوية
السياسية لسلطاته وان لم يصل بها الحد للتفريط بالجزائر ورضاها، مما يدعم ذلك
رغبة فرنسية استعمارية في استمرار النزاع حتى لا يقوى طرف في حجم المغرب واهمية
الجزائر بالنسبة للمنطقة ولفرنسا ذاتها.
الولايات المتحدة الاميركية: دورها في النزاع يعود بالدرجة الاولى لمكانتها
الدولية والوصاية التي اصبحت تفرضها في مختلف انحاء العالم هذا فضلا عن
علاقاتها التاريخية المتميزة مع المغرب، لا يبتعد موقفها عموما عن الموقف
الفرنسي وان مالت للمغرب اكثر، وقد تحررت من بعض الاعتبارات التاريخية التي ما
زالت تحكم السياسة الفرنسية في المنطقة، وهي ايضا تميل الى اطالة النزاع لاطول
مدة ممكنة نظرا لسياساتها الامنية والاستراتيجية بالمنطقة ونظرا لاهمية الطراف
المتنازعة للمصالح المريكية بالمنطقة.
وقد غاب بشكل كلي الدور العربي الذي يمكن ان يتمكن من حل النزاع باقل خسائر
ممكنة ناهيك عن دور الاتحاد المغاربي.
الحلّ المؤجل
لقد ركز المغرب مؤخرا على حل واحد يعتبره الامثل لمشكل الصحراء حيث اضحى يعتبر
ان الصحراء جزءا لا يتجزأ من اراضيه ويتمثل بمقترح الحكم الذاتي بالاقاليم
الصحراوية تحت السيادة المغربية خصوصا بعدما شكل العاهل المغربي لجنة لتدرس
بشكل جدي مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب ذات خصوصيات مغربية وذلك من اجل
الارتقاء بالمغرب من دولة تعتمد المركزية الى دولة فيديرالية ذات جهات تتمتع
بصلاحيات سياسية وتنموية واقتصادية واسعة تمكنها من تسيير شؤونها بنفسها وطبعا
في اطار سيادة مغربية واحدة تحترم الدستور المغربي وفي هذا الاطار ميز المغرب
منطقة الصحراء عن باقي المناطق بمنحها حكما ذاتيا في اطار سيادة مغربية.
وقد تمكن المغرب من اقناع مجموعة من الدول التي كانت تدعم مقترح الانفصال
الصحراوي عن المغرب من العدول عن تاييدها للانفصال، الا أن جبهة البوليزاريو
اضحت اكثر تصلبا، وقد صرحت في كثير من المحطات عن تبنيها مؤخرا لخيار الحرب
المباشرة مع المغرب من اجل "الاستقلال"، خصوصا بعد ما وقع في العيون وهي احداث
التقتطها اسبانيا خصوصل للنفخ في نار الصراع، ما يعني أن الحل لمعضلة الصحراء
لقد برز توتر العلاقات بين المغرب والجزائر منذ استقلال هذه الاخيرة سنة 1962،
ورغم سيادة حالة من التعاون التي امتدت لفترات من الزمن والتي تميزت بهدوء نسبي
من كلا الطرفين، الا ان الصورة الغالبة على العلاقات بين الاخوة الاعداء هي
صورة التوتر والحرب الباردة والمتحكم فيها عن بعد من كلا الطرفين، في حين ان
الاسباب المبهمة والمرتبطة اساسا بمجموعة من المؤثرات الخارجية والداخلية التي
تسببت في الوصول الى هذه الوضعية المعقدة واللاحل، جعلت البلدين يقتربان في
محطات عديدة الى المواجهة العسكرية المباشرة والمفتوحة بعدما خاضا تجربة حرب
الرمال التي افرزتها مشكلة الحدود بينهما في بؤرة التوتر "تيندوف".
وبين تشبث كل جهة على حدة بوجهة نظرها خصوصا في قضية الحدود بينهما، وبين
العوامل الخارجية برزت قضية الصحراء "الغربية".
فبعد التعاون والتلاحم الحاصل بين المغرب والجزائر ابان الثورة الجزائرية والتي
راح خلالها عدد من المجاهدين الجزائريين وكذا المغاربة، واحتضان المغرب لزعماء
الثورة بالجزائر ودعمهم بكل الوسائل، وذلك في اطار التعاون المغربي مع ثورة
التحرير الجزائرية، جعل المغرب يؤجل طرح قضية الحدود وعدم اثارتها انذاك الى
غاية استقلال الجزائر، وذلك طبعا كي لا يعتبر المغرب من جهة اخرى في نظر اخوانه
انه يطعن الثورة الجزائرية، بل يتوجب عليه هو كبلد مستقل انذاك تقديم العون من
اجل جلاء الاستعمار عن البلاد كليا.
وبعد استقلال الجزائر الجارة الشرقية للمغرب وبروز كيان جزائري مستقل، بادر
المغرب الى المطالبة بتحديد الحدود بينهما، الا ان نقطة الفصل بين مطالب الاول
والثاني هي المعاهدة التي جمعت المغرب وفرنسا بعد هزيمته امامها في معركة ايسلي
14 أوت 1844 على اثر دعمه لثورة الامير عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي
بالجزائر، وهي معاهدة "لالة مغنية" التي جمعت بين المغرب وفرنسا في 18 مارس
1845، وقد نصت بنودها على استمرار الحدود بين المغرب وفرنسا بالجزائر على ما
كانت عليه بين الاتراك والمغرب ابان التواجد العثماني بالجزائر، الا ان
الاتفاقية او المعاهدة المبرمة جعلت منذ الاول منطقة الصحراء في الجنوب الشرقي
للمغرب بين البلدين منطقة غامضة الحدود والانتماء ولم تحدد بشكل دقيق في
المعاهدة.
ولكن الاشكال الحاصل انذاك بين المغرب والجزائر بعد استقلالها هو مطالبة المغرب
بالحدود بينه وبين جيرانه في الشرق كما كانت قبل مجيء الاستعمار الفرنسي الى
الجزائر وكما نصت عليها معاهدة "لالة مغنية"، فيما الجزائر تتشبث وتدافع عن
حدودها كما ورثتها عن الاستعمار بعد جلائه، حيث ان فرنسا وقّعت معاهدات اخرى مع
المغرب في شأن الحدود اهمها سنة 1901 و1902، والتي كان الهدف منها اساسا هو سعي
فرنسا لتعزيز وتثبيت وجودها في الجزائر، مما جعلها تتوغل بشكل تدريجي داخل
المغرب منتقصة بذلك من ترابه الوطني بشكل متدرج ومستمر الى ان جرته لتوقيع
الحماية واحتلاله بشكل مباشر.
بعد استقلال الجزائر عادت قضية الحدود بين البلدين الى الواجهة، حيث سادت حالة
من الحدة والتشاحن بين الطرفين طيلة شهري يوليو وسبتمبر من سنة 1963 والتي نتج
عنها مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين والاولى من نوعها بين المغرب والجزائر
منذ بداية النزاع والتي تعرف بحرب الرمال وحدثت شهر اكتوبر 1963.
وبفضل التجربة الحربية التي راكمتها القوات المغربية على مر سنوات من الاستقلال
وخلال الاستعمار ايضا، والتي ذابت فيها كل مكونات المقاومة المغربية وجيش
التحرير الذي شكل النواة الاولى للجيش المغربي بعد الاستقلال، اضافة الى الحنكة
الحربية التي اتى بها مجموعة من المجندين المغاربة في مختلف الحروب العالمية
خصوصا بأوربا واسيا الى جانب فرنسا والولايات المتحدة الامريكية ابان الحرب
العالمية الثانية وما بعدها، تمكن الجيش المغربي من التقدم نحو منطقة النزاع
تيندوف انذاك منطقة النزاع الرئيسي، حيث اعلن قواد الجيش المغربي في بضعة ايام
بعد ذلك السيطرة على تيندوف نقطة الاحتكاك.
وبعد ذلك دخل الجاران في مفاوضات باءت بالفشل وشارك فيها انذاك الرئيس الحالي
للجزائر عبد العزيز بوتفليقة، الا ان تدخلات عاجلة من طرف مجموعة من الدول
المغاربية والافريقية وكذا العربية ايضا لاحتواء الموقف الحاد والمشحون بين
الاخوة الاعداء، خصوصا بعد عقد مجموعة من اللقاءات في مصر اثناء انعقاد القمة
العربية سنة 1964 بمصر، والتي لم تفض الى اي نتيجة تذكر، حيث تم بعد ذلك فقط
احتواء النزيف بمعالجة بعض اسباب النزاع الحاصل، ليبقى مشكل الحدود بين البلدين
معلقا الى اجل غير مسمى، حيث سادت مرحلة من الصمت البارد بين الطرفين.
وقد بادر المغرب الى المطالبة من جديد بضرورة وضع حل لهذا النزاع الذي يؤرقه
خصوصا بعد كل ما اسفرت عنه مجموعة من التنقيبات في منطقة النزاع والتي اعلنت عن
اكتشاف مجموعة من المعادن في بؤرة النزاع من اهمها معدن الحديد والمتواجد
بكميات هائلة في المنطقة، الامر الذي جعل كلا الطرفين يتشبث بالمنطقة المتنازع
عليها الى ابعد حدود.
وقد تزامن اكتشاف هذه الثروات مع انقسام العالم الى معسكرين: شرقي الاشتراكي
بقيادة الاتحاد السوفياتي، وغربي رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
وهنا اخذ نزاع الاخوة بعدا دوليا خصوصا بعد الانقسام الحاصل في الايديولوجيا
المتبعة من طرف كل بلد على حدة، حيث اصطفت الجزائر مع المعسكر الشرقي وتبنت
الخيار الاشتراكي والجمهوري للحكم خصوصا بعد الانقلاب الشهير بالجزائر المعروف
بانقلاب بومدين سنة 1965، وبالمقابل انضمم المغرب الى المعسكر الرأسمالي وراء
فرنسا والولايات المتحدة الامريكية مراعاة لمصالحه المرتبطة اساسا بالراسمالية.
دور العامل الدولي
على اثر هذه الانقسامات اخذ النزاع الحدودي المغربي-الجزائري بعدا دوليا في
صورة مصغرة للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وبشكل اكثر حدة، وقد
تميزت مرحلته بالبرود واستعراض العضلات والتسابق نحو التسلح والذي مازال مستمرا
الى اليوم، الا ان استمرار التوتر والاصطدامات العسكرية في المنطقة بين قوات
البلدين طيلة سنتين من الزمن، خسرت خلالها الدولتان اموالا طائلة اضافة الى
تكبدهما خسائر بشرية هامة في صفوف الجنود من كلا الجانبين، ادى بالمغرب الى طرح
قضية النزاع مع جارته الشرقية على هيئة الامم المتحدة للبت فيه بشكل نهائي وهو
الأمر الذي لم يتم رغم مجموعة من المجهودات المبذولة من مختلف الجهات عالميا.
مباشرة بعد حرب الرمال 1963 باشر البلدان حربا من نوع اخر عبر الاعلام، خصوصا
في ظل تخوف المغرب من الدور البارز الذي اضحت تلعبه الجزائر على المستوى القاري
وعلى مستوى المنطقة المغاربية بشكل خاص، اضافة الى تخوفات المغرب من الامتداد
الجزائري الى داخله والهيمنة على مجموعة من شرايينه الحساسة، وفي سياق الحرب
الاعلامية التي اخذت طابعا ايديولوجيا اعتبر خلالها العاهل المغربي ان طبيعة
النظام الذي تبناه المغرب هو ما يقلق الجزائر اكثر، في حين اعتبرت الجزائر
العكس حيث ان طبيعة النظام الذي اتبعته الجزائر هو ما يقلق راحة المغرب، وقد
كان هذا حافزا للجزائر لدعم بعض الفصائل والحركات المتبنية للافكار الاشتراكية
بالمغرب انذاك، والمحسوبة على المعارضة بالمغرب بشكل عام في تلك الاونة.
بعد اكتشاف الحديد بمنطقة تيندوف انفتح الطرفان المتنازعان على افكار وخطط
جديدة، سواء من الجانب المغربي المنهك والذي يريد حل النزاع بأقل خسارة ممكنة
حتى ولو كان مسيطرا على نقطة النزاع التي تراجع عنها فيما بعد، او من الجانب
الجزائري الذي بانت له خطط جديدة في المنطقة بعد هذا الحدث الهام، حتى وان حصلت
الجزائر على نقطة النزاع تيندوف بعد تراجع المغرب عنها لصالحها، بقي الاشكال
المطروح هو كيفية استغلال الحديد المكتشف نظرا لبعد ساحله الشمالي والذي يكلف
اكثر ان فكر الجانب الجزائري في استغلاله عبر الساحل المتوسطي، وذلك نظرا لبعد
تيندوف عن المتوسط بذلك تكون تكلفة نقل الحديد تفوق مصاريف انتاجه.
وقد حتمت الوضعية التي وصل اليها النزاع بالدخول في مفاوضات جادة ومباشرة مع
المغرب ونخص منها بالذكر المفاوضات التي عرفت بمفاوضات ايفران في 15 يناير 1969
ثم بعدها مفاوضات 27 ماي 1970، لتليها مفاوضات سنة 1972، والتي اسفرت كلها عن
معاهدة مغربية- جزائرية تخص الحدود بينهما، وقد نصت بالخصوص وبالدرجة الاولى
على اعتراف المغرب بجزائرية تيندوف مقابل مشاركته في انتاج وتسويق الحديد
المكتشف بتيندوف، بالاضافة الى دعم الجزائر لمغربية الصحراء التي كانت ماتزال
تحت السيطرة الاسبانية.
وبعد المعاهدة مباشرة خرجت اصوات رفيعة المستوى من الجزائر مؤيدة للحق المغربي
بالصحراء، فيما كانت اهم التصريحات هي التي خرج بها الرئيس الجزائري انذاك
الهواري بومدين خلال القمة العربية المنظمة بالرباط اكتوبر 1974، والتي تفيد
بالحرف ان مشكلة الصحراء لا تهم الجزائر في شيء بل تهم موريتانيا والمغرب فقط،
اضافة الى ان الجزائر تدعم حق المغرب في مطالبته بمدينتي سبتة ومليلية والجزر
المتوسطية المحتلة من طرف اسبانيا.
وبعد تصريحات الرئيس الجزائري بالرباط بادرت اسبانيا الى تقوية علاقاتها مع
الجزائر تحسبا لأي طارئ وكثفت من تحركاتها الديبلوماسية تجاه الجزائر منتهجة في
ذلك ممارسة ضغوط على الدولة الجزائرية وجرها الى ان توقع معها مجموعة من
الاتفاقيات المختلفة المحتوى صيانة وحفظا لمصالحها في المغرب وبقاء الجزائر
بعيدة عنها على المستوى الترابي المغربي وفي المقابل قريبة منها من الجانب
التجاري والاقتصادي خصوصا في مجال النفط والغاز، وكل ذلك تحسبا لأي طارئ قد
يفرز مطالبة المغرب بالمدينتين بشكل جدي ومباشر، اضافة الى رغبتها في ترك
ميراثها بالصحراء محل خلاف لأطول مدة ممكنة لإشغال المغرب وإلهائه عن المطالبة
بباقي اراضيه المحتلة من طرف اسبانيا وخصوصا مدينتي سبتة ومليلية، بعد اقتراب
المغرب من حسم النزاع حول الصحراء لصالحه.
وبعد اقتراب موعد انسحاب اسبانيا من الصحراء لصالح المغرب، وبعد تقوية علاقات
الاولى مع الجزائر وجدت هذه الاخيرة نفسها دون اية مكاسب من الصحراء خلاف ندها
المغرب الذي خرج الرابح الأكبر من اللعبة، مما ادى بها الى تغيير مواقفها تجاه
المغرب خصوصا بعد التوصل الى توقيع معاهدة ايفران السالفة الذكر بين الطرفين
وبالمقابل ظهور بوادر نزاع جديد بين المغرب وجبهة البوليزاريو التي اشتد عودها
في هذه الآونة، لذا كانت حسابات الجزائر على غير اتفاقها مع المغرب الا وهي دعم
مشروع دولة صحراوية لتجاوز الممر المغربي لاستغلال الحديد بذلك يكون لها ممر
عبر الصحراء دون اية تكلفة كبيرة مقابل مشاركة المغرب في استغلال حديد تيندوف.
بذلك انقلب الموقف الجزائري مائة وثمانين درجة من معاهدة مع المغرب على مغربية
الصحراء الى دعم قيام دولة صحراوية، حيث ظهرت بوادر انقلاب الموقف الجزائري منذ
سنة 1975 مع اقتراب تنظيم المسيرة الخضراء من طرف المغرب بقيادة مباشرة من
العاهل المغربي انذاك الراحل الحسن الثاني، وبذلك تكون اسبانيا قد ساهمت بشكل
جذري ومباشر في تأزيم الوضع بين المغرب والجزائر قصد تهربها من الخروج من
مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية التي ما تزال تقع تحت السيطرة الاسبانية
الى اليوم، هذا من جانب اسبانيا ودورها في تعقيد الوضع بالمنطقة لخدمة مصالحها
بشمال المغرب وجنوبه بشكل خاص.
ومن جانب اخر فالمنطقة تاريخيا وفي الماضي القريب تعتبر منطقة النفوذ التقليدي
لفرنسا باعتبار انها منطقة استعمارية فرنسية وذلك ما عزز نفوذها في المنطقة
بأسرها، وخولها ذلك لتلعب ادوارا عديدة داخل دواليب سياسات ومراكز القرار في
كلا البلدين.
ومن جهة اخرى ارتكزت سياسات القوى الدولية المنقسمة الى قسمين انذاك بالتحكم في
العلاقات بين المغرب والجزائر والتي سعت بشكل جاد الى موازنة قوى الطرفين سواء
قبل الحرب الباردة او بعدها حسب الاولويات التي حددتها العوامل الدولية
المتحكمة بشكل مباشر في المنطقة خصوصا وانها ترى في الجزائر خزانا عالميا للنفط
وفي المغرب موقعا جغرافيا استراتيجيا بالنسبة للمنطقة المغاربية او على المستوى
العالمي، ناهيك عن اعتباره والى اليوم موقعا ذا نفوذ دولي عالمي على غرار باقي
الدول المغاربية مما عزز تقويته على جميع المستويات وجعله اقرب الى جل المناطق
العالمية خصوصا منها من اوربا وامريكا وجعله حلقة وصل بينها وبين العالم
الافريقي والعربي بالشرق، ومن وجهة نظر اخرى فالمنطقة بأسرها تعتبر سوقا ممتازة
لترويج تجارة الاسلحة وتجربتها ايضا دون اية عقوبات او مراقبة.
ورغم انتهاء الحرب الباردة العالمية بسقوط الاتحاد السوفياتي وانحلاله الا ان
الجزائر حافظت على علاقاتها مع روسيا والتي استمرت بدورها في تبني اطروحة
الجزائر في الصحراء داخل مجلس الامن والامم المتحدة، الا ان المغرب ايضا قوى
علاقاته التاريخية اكثر مع حلفائه السابقين خصوصا مع الولايات المتحدة
الامريكية والتي اصبحت تراعي اكثر المطالب المغربية بخصوص الصحراء والنزاع
المفتعل فيها غير بعيد عن المنتظم الدولي.
ونستخلص من كل هذه العوامل الدولية الفاعلة في العلاقات المغربية الجزائرية
بالدرجة الاولى ان اسبانيا قصدت اشغال المغرب عن مطالبته بمجموعة من اراضيه
خصوصا اراضيه المحتلة من طرف اسبانيا بالشمال، والهائه من جهة اخرى عن المطالبة
بمنطقة تيندوف وما جاورها من جارته الشرقية الجزائر، خصوصا بعدما نقضت المعاهدة
التي ابرمتها معه بعد مفاوضات ايفران، ومن جانب اخر قوت الولايات المتحدة
الامريكية وضع المغرب حليفه التاريخي الاول بالمنطقة تخوفا من المد السوفياتي
سابقا والروسي حاليا وانفرادها بالقرار في المنطقة، اما فرنسا فقد حرصت على
الحفاظ بقوة على علاقاتها مع كلا البلدين نظرا لتضارب مصالحها في حالة انحيازها
لأي طرف من الاطراف لتخرج هي الرابح الأكبر في افتعال وتعميق جراح النزيف بين
المغرب والجزائر.
بذلك تكون العوامل الدولية ساهمت في تأزيم علاقة الاخوين الجارين المغرب
والجزائر مخافة اتفاقهما من جانب ثالث وتفرغهما لمواضيع اخرى تهم الشأن الدولي
والافريقي ثم الاسلامي بالدرجة الاولى، خصوصا بعدما اعرب البلدان بشكل مباشر عن
اهتمامهما الكبير بالقضايا الاسلامية ومنها قضايا الشرق الاوسط.
طرف جديد على خط الصراع
منذ سنة 1976 بسنة بعد المسيرة الخضراء الى غاية ثمانينيات القرن الماضي اتسمت
العلاقات بين الطرفين في ظل تواجد طرف جديد وهو جبهة البوليزاريو، بوجود تقدم
بطيء للاداء الجزائري في ظل ترحيب خفي وحذر من القوى الاجنبية التي تسعى الى
احداث توازن اقليمي يضمن استمرار النزاع بل ويزيد من تعقيده بشكل اكبر حدة دون
ترجيح الكفة الى اي طرف من الاطراف المتنازعة، وقد برز خلال هذه المرحلة الهامة
من الصراع عاملان صادران عن كتلة التحالف الاول عن جبهة البوليزاريو والثاني
صادر عن الجزائر وهما: تحديد الجزائر كحليف استراتيجي لجبهة البوليزاريو.
وقد بدت بوادره خلال المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو 25 أوت سنة 1974، وبعد
المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب في 06 نوفمبر 1975 ليسترجع المغرب للصحراء،
بذلك اصبح المغرب حسب جبهة البوليزاريو هو المستعمر في الصحراء وفي نظر المغرب
انه قد استرجع جزءا لا يتجزأ من اراضيه.
وقد بدأت الجبهة في التنسيق مع اسبانيا لضمان مساعدتها في الانتشار داخل
الصحراء، لترتمي الجبهة كليا في المشروع الجزائري الرامي الى فتح واجهة اطلسية
تتوج نهائيا بالاعلان عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير
1976 ليلي ذلك نوع من الاستقواء من جانب الجبهة خصوصا بعد ان وفرت لها الجزائر
بواسطة ضغطها الديبلوماسي دعم مجموعة من الدول خصوصا منها المتبنية للطرح
الاشتراكي والتي دعمت البوليزاريو ودولتها، خصوصا وان المغرب لم يستقطب الجبهة
قبل ذلك بل دفعها للارتماء باحضان الجزائر بعد التجربة المريرة التي عاشها مؤسس
الجبهة عندما جاء لجلب الدعم من داخل المغرب.
أما العامل الثاني والذي صدر عن الجزائر خصوصا بعد سياسة التجاهل التي مارسها
المغرب مع جارته الشرقية بعد استرجاع الصحراء، مما حدا بالجزائر الى ان تفكر في
ان استرجاع المغرب للصحراء ليس الا تهديدا لوحدتها واداة تؤدي الى خنقها
وتطويقها ومقدمة لاجهاض ثورتها.
وقد صرح بذلك الرئيس الجزائري انذاك بومدين في خطابه يوم 24 فبراير 1976، لذلك
رفضت الجزائر اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر 1975 مما ادى بها الى تبني
الطرح والخيار القاضي بخوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية واقتصادية طويلة الامد
بعد المسيرة الخضراء وهذا ما تبين بالوضوح حيث وصل الطرفان الى ثاني مواجهة
عسكرية مغربية جزائرية عرفت بمعركة "امغالا" يوم 26 يناير 1976 والتي استمرت
لثلاثة ايام، واعلن خلالها الجنود المغاربة انهم اسروا حوالي 100 جندي جزائري،
لينتهي النزال العسكري القوي والمباشر بالوساطة المصرية في شخص الرئيس حسني
مبارك ثم بعد ذلك تمت تحركات من جانب مجموعة من الدول العربية لتطويق الازمة،
لتتبنى الجزائر اطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي بعد عدة مواجهات ديبلوماسية
كثيفة بين الطرفين بعدما عرفت الجزائر انها معنية مباشرة بالنزاع حول الصحراء.
كل هذه الاسباب جعلت الجزائر تتبنى اطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي ونهج
اسلوب الحرب بالوكالة مع المغرب عن طريق جبهة البوليزاريو من اجل اقلاق راحة
المغرب كلما سنحت الفرصة بذلك، وقد اسفر ذلك عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع
المغرب طيلة ما يقارب 12 سنة من الزمن منذ 1976 الى غاية 1988 ليتم غلق الحدود
بين البلدين بشكل نهائي والذي توج ايضا بطرد المغاربة من الجزائر في ذات السنة،
ما اعطى مزيدا من الضغط الدبلوماسي على موريتانيا الذي ادى الى انقلاب عسكري
على النظام هناك في يوليو 1978، ما ادى الى تسليم منطقة وادي الذهب التي كانت
من لموريتانيا حسب اتفاقية مدريد، الى البوليساريو عبر اتفاق بينهما في 5 أوت
سنة 1979، ما افضى الى انسحاب موريتانيا من اتفاقية مدريد، حيث نتج عن ذلك
فقدان المغرب لحليف له اهمية مركزية في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية
وهذا ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الدبلوماسي والتي تمكنت به من توفير اعتراف
عدد لا يستهان به من الدول بالجمهورية الصحراوية والتي وصل عددها لأزيد من
سبعين اعترافا، وقد غيرت بعض الدول الافريقية منها بالخصوص من موقفها مباشرة
بعد انسحاب موريتانيا من دائرة النزاع.
وقد ببرز تخوف الجنوب الاوروبي من الناحية الامنية بالخصوص نظرا لتواجده على
بعد مرمى حجر من المنطقة المغاربية ما جعل من الوضع القائم بين البلدين محط
اهتمام شديد لدى اوروبا، اضافة الى الاوضاع الدولية والاقليمية التي مر بها
العالم خلال بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ما أدى الى دخول المغرب
والجزائر في مفاوضات سرية سنة 1981 توجت بالفشل بدواعي تناقض وتباعد رؤية
البلدين وتوجهاتهما جذريا وفي امور اساسية لدى كل منهما.
حيث ترى الجزائر ضرورة اشراك البوليساريو كمفاوض اصيل في النزاع مع وساطة
جزائرية، و اقامة الجمهورية الصحراوية على اساس حدود معترف بها والتي يتم
الاتفاق بشأنها بين الاطراف المتنازعة، وكون اتحاد المغرب العربي هو الاطار
المناسب لاستغلال خيرات المنطقة بكاملها، رامية بذلك ورافضة للاتفاقية المعروفة
بمفاوضات افران المذكورة سابقا.
في حين كان الموقف المغربي مغايرا تماما لما كشفت عنه المواقف الجزائرية حيث ان
المغرب كان يرى انه لا داعي لاشراك البوليزاريو في المفتوضات نظرا لعدم اعترافه
بالكيان الجديد الذي يعتبر فتيا بالمنطقة ولم يكن له وجود اساسا سواء على
المستوى التاريخي او على جميع المستويات حيث كانت المنطقة تابعة للتراب المغربي
منذ ازيد من قرون مضت، لذا ركز الموقف المغربي على المفاوضات مع الجزائر على
ضرورة التنصيص والاقرار بمغربية الصحراء وتطبيق قرارات منظمة الوحدة الافريقية
المنصوص عليها خصوصا منها قرارات نيروبي الثانية والقاضية بوقف اطلاق النار
واجراء الاستفتاء في المنطقة طبقا للشروط التي وضعها المغرب في الاتفاق الاطار
دون التمييز بين ساكنة المنطقة.
بعد ذلك تمكن المغرب من تحقيق خروق ديبلوماسية واستفاد من الدعم العسكري
للولايات المتحدة الامريكية خصوصا خلال ولاية رونالد ريغان الذي دعم بدوره
نظرية التوازن العسكري بمنطقة غرب الشمال الافريقي حيث اعتمد المغرب شقين من
الدفاعات العسكرية الميدانية، وقد مثلت الاولى منها عمليات تمشيط الاقاليم
"الجنوبية" او الصحراوية والقضاء على اي تواجد للقوات الجزائرية بكل انواعها
ونسف تواجد اي قوات تمثل جبهة البوليزاريو بالمنطقة المتنازع عليها.
في حين تمثل الشق الثاني من الاستراتيجيات العسكرية التي نهجها المغرب خلال
المرحلة، في اقامة جدار دفاعي رملي حجري مع احداث مراكز مراقبة بالرادار مقابل
توفير حماية بحقول من الألغام في المناطق التي لا تغطيها الرادارات، حيث
انجزتها شركات محسوبة على امريكا بتمويل امريكي وذلك لخلق توازن امني وعسكري
بالمنطقة في ظل استقواء الجبهة بالجزائر على خصمهما المغرب.
بعد هذه الفترة المائجة بالتطورات بدأ التحضير لإنشاء اتحاد مغاربي وخصوصا
بعدما وجدت أرضية لتفاهم مغربي اممي حول مشروع تسوية لقضية الصحراء بشكل نهائي،
الا ان النصف الثاني من الثمانينيات عرف تغيرات اقليمية نذكر منها خصوصا تراجع
عائدات المحروقات الجزائرية في حين ارتفعت الاعباء السياسية والاجتماعية
الناجمة عن تحمل تكاليف احتضان البوليساريو خصوصا منها ساكنة ولاجئي مخيمات
تيندوف.
إضافة إلى خمود الحرب الباردة مع انهيار االمعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد
السوفياتي نهائيا مقابل أفول قوة الولايات المتحدة الامريكية والتي اضحت تسمى
شرطي العالم، ورفع درجة تركيزها وتاثيرها على المنطقة المغاربية أمنيا بالخصوص
واقتصاديا واجتماعيا نظرا للوضع الاستراتيجي للمنطقة ودورها في لعب الادوار
الطلائعية خصوصا منها الاهتمام الذي ابدته منذ البداية بقضايا الشرق الاوسط
ومدى ارتباطها بها جذريا.
موقف البوليزاريو
ترى جبهة البوليساريو انها الطرف الثاني في النزاع حول الصحراء بعدما كان
النزاع في بادئ الامر بين المغرب والجزائر، فالجبهة هي من ايدت المشروع
الجزائري الذي ينادي بالحق في تقرير الصحراويين لمصيرهم منذ تأسيسها حوالي
ثلاثة عقود من الزمن لحد الان، وهي اليوم تنادي بشكل علني ومباشر بقيام دولة
مستقلة عن المغرب في الصحراء، وقد تطور صراعها مع المغرب من الحرب الى وقف
اطلاق النار ثم الى مفاوضات برعاية الامم المتحدة والتي مازالت جارية الى يومنا
هذا.
وقد اعلن في بادئ الامر يوم 10 مايو 1973 عن تكوين ما يعرف بالبوليزاريو او
الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ابان الاستعمار الاسباني
للصحراء، الا انه بعد استرجاع هذه المناطق الصحراوية من طرف المغرب على اثر
المسيرة الخضراء في 06 نوفمر 1975، تم الاعلان بعدها في 26 فبراير 1976 عن
انشاء الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية التي ظل مقرها تيندوف بجنوب
الجزائر، وقد ظلت جبهة البوليزاريو تدافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
واستقلاله، في حين ظلت المملكة المغربية تعلن ان الصحراء جزء لا يتجزأ من
ترابها ولكل من الطرفين وجهة نظر خاصة بها.
الا ان جبهة البوليزاريو اليوم لا تمثل جميع الصحراويين بل جزء منهم فقط، لذلك
بقي المغرب يتهم الجزائر باختطاف والتسبب في نزوح عدد من مواطنيه الصحراويين
وجمعهم في مخيمات تيندوف لمدة زادت عن ثلاثة عقود، في حين ان الجبهة تتهم
المغرب باغتيال حقوق الصحراويين وطردهم الى مخيمات تيندوف.
محاولات أممية لتسوية النزاع
بعدما اضطر المغرب الى طرح مشكل النزاع على هيئة الامم المتحدة قصد البت في
نزاعه مع الجزائر بالدرجة الاولى وجبهة البوليزاريو التي انبثقت من قلب النزاع
المغربي الجزائري حول الحدود بينهما وحول مصالحهما المشتركة في الصحراء بشكل
عام، وبعدما عرف النزاع مجموعة من المحطات المهمة التي شارف فيها الاطراف
المتنازعة على خوض حرب مباشرة في مختلف مراحل النزاع منذ ظهوره.
وقد حاولت هيئة الامم المتحدة من جانبها ان تنهي النزاع بمجموعة من المقترحات
التي كان يقترحها الاطراف المتنازعة والتي كانت ايضا تستند على مجموعة من
المعطيات التي كانت قد توصلت وتتوصل بها منظمة الوحدة الافريقية الا ان
محاولاتها كانت تفشل نظرا لتقديم طعون من مختلف الاطراف في هذه المحاولات الى
ان قررت هيئة الامم المتحدة ان تعتمد على حل سياسي في الصحراء دون اللجوء الى
الحلول الاخرى.
ومن بين اهم الحلول التي اقترحت على الاطراف المتنازعة من اجل انهاء النزاع
المفتعل نذكر خصوصا:
ـ مقترح الاستفتاء: وهو مخطط سلام لتسوية النزاع تم اعداده سنة 1990 من طرف
منظمتي الامم المتحدة والوحدة الافريقية، ويهدف هذا المخطط الى تنظيم استفتاء
بالصحراء حيث يكون حرا وعادلا، الا ان حالة من التوتر عادت للنزاع من جديد جعل
المغرب يطعن في مجموعة من بنود هذا المخطط.
ـ الاستفتاء مع تطبيق اتفاق الاطار: وهو الاتفاق الذي توصلت إليه الجبهة
والدولة المغربية في المانيا بعد اجتماع في برلين مع المبعوث الأممي انذاك جيمس
بيكر سنة 2000، ليتم رفض اتفاق الاطار من طرف جبهة البوليزاريو حيث ترمي الى
استثناء مجموعة من السكان القاطنين بالصحراء من المشاركة في الاستفتاء بدعوى
انهم ليسوا صحراويين في حين ركز المغرب على انه لا يمكن ان يفرق بين مواطنيه في
الصحراء.
ـ تقسيم الصحراء: وهذا الحل هو الذي رفضه المغرب رفضا تاما ونهائيا والذي يرمي
الى تقسيم الصحراء بين الاطراف المتنازعة، حيث جاء تقرير الأمين العام الاسبق
كوفي عنان بمجموعة من المقترحات من اجل تسوية وانهاء النزاع وهي: اجراء
الاستفتاء، ومنح حكم ذاتي موسع في اطار السيادة المغربية، ثم تقسيم الصحراء بين
البوليساريو والمغرب، وسحب بعثة المينورسو من الصحراء.
وفي هذا الباب اعتبر المغرب ان الجزائر هي صاحبة اقتراح التقسيم، لينفجر صدام
مغربي جزائري في الافق، حيث اعلن المغرب ان هذا الموقف يبطل دعاوى "حق تقرير
المصير" التي كانت ترتكز عليها الجزائر في دعمها لجبهة البوليساريو معتبرا ان
هذا مناقض للمبادئ التي انبنى عليها الاتحاد المغاربي.
وقد تجدد نفس الامر لكن بحدة اقل في مناقشات مجلس الامن حول قضية الصحراء، مما
حدا بالمغرب الى اتهام الجزائر بمحاولة افشال الحل السياسي لقضية الصحراء، وان
خطة التقسيم تهدد المغرب بالبلقنة، وما زاد من تأزيم الوضعية اقدام بوتفليقة
على زيارة مخيمات تيندوف والتي عدت سابقة حيث لم يسبق ان قام بها رئيس جزائري
منذ 1976 وعاد بعدها ليعلن ان قضية الصحراء ليست ملفا يطوى ومصير الاتحاد
المغاربي مرهون بها، كما اكد في رسالة بعث بها الى زعيم جبهة البوليساريو
مواصلة الحكومة الجزائرية دعمها للجبهة وان الجزائر متشبثة بخيار تقرير المصير
كحل لنزاع الصحراء وما يستلزمه من تطبيق لخطة التسوية.
أطراف وأدوار
مثل اي قضية ساخنة في منطقة استراتيجية وعرة تشد انتباه القوى العظمى وجهات
الصراع على المصالح، استطاعت مشكلة الصحراء ان تستقطب عددا كبيرا من محاولات
الوساطة والتسوية السياسية من طرف جهات اجنبية عن المنطقة والتي لها علاقة
مباشرة مع هذه الأخيرة، ورغم ان معظم هذه المحاولات اصطدم بصعوبة او استحالة
الجمع بين مختلف الاطراف وما يريدون فانها هيأت لخيارات رئيسية استقر عليها
الحال، واصبح الحوار دائرا حولها استقلالا او جمعا لبعضها مع بعض كليا او
جزئيا، او تقسيما للمنطقة المتنازع عليها،.
وقبل التطرق لهذه الخيارات وحظوظها من النجاح على ضوء فلسفة الممكن ومنطق الامر
الواقع يجب التوقف عند الاطراف الاساسية في النزاع على المستويين الاقليمي
والعالمي ونذكر بالخصوص:
المغرب: ويعتبر قوة هامة في المنطقة لها تجربة الدولة ذات نفوذ هام في المحيط
الاقليمي، ويستند لعلاقات قوية مع فرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص ومع مجموعة
من الدول ذات الطابع القوي على المستوى العالمي، وقد سعى في مجموعة من المحطات
لحسم النزاع عمليا بضم معظم الاراضي الصحراوية، ولا يخفي المغرب قلقه من
استفتاء لا يخضع لشروطه ويخشى من تفاهم عدة اطراف ضده.
الجزائر: هي الداعم التقليدي لجبهة البوليزاريو والمستقبل له بعد اتفاقية
مدريد، ويتحدث النظام الجزائري عن خيانة موريتانية لصالح المغرب، واستطاعت
الجزائر ان تعبئ عددا كبيرا من الدول لصالح البوليزاريو ابان بداية النزاع
وافول نجم الاتحاد السوفياتي الذي نال اعجاب بعض الدول التي اتبعت النهج
الاشتراكي، وضمنت الجزائر على اثرها للجبهة غطاء سياسيا وعسكريا مكنها من
الصمود امام الهجمات المغربية المتكررة، وقد انشغلت بنفسها في عشرية التسعينات
بعد ان دخلت دوامة عنف وصراع داخلي.
جبهة البوليزاريو: رغم ان هذه الجبهة فقدت الاجواء المساندة للحركات التحررية
الثورية خصوصا منها الماركسية والاشتراكية مع سقوط المعسكر الشرقي، فانها لا
تزال الطرف الاهم المنازع للمغرب، وقد فقدت كثيرا من اوراقها بعد تراجع الانظمة
اليسارية عن دعمها وانشغال الجزائر بنفسها عنها، وتحاول الاستفادة من النزاع
الاسباني المغربي ومن الحذر الموريتاني التقليدي من المغرب، ولا تخفي ارتياحها
لعودة الاهتمام الجزائري بالملف.
موريتانيا: لم تعد طرفا اساسيا في النزاع وان فرض عليها قربها منه واشتراك
سكانها مع سكان الصحراء في القبيلة والعادات الاجتماعية ومتابعته والاهتمام
بتطوراته، كان من اهم الاسباب التي جعلت الجانب الموريتاني يبتعد كليا عن
النزاع هي تطوراته الداخلية التي افضت الى حصول مجموعة من الانقلابات.
اسبانيا: وضعها كمستعمر سابق لاقليم الصحراء والتوتر الحاصل في علاقاتها
المتذبذبة مع المغرب، سببان كافيان للاهتمام بملف الصحراء، وهي ليست طرفا
مباشرا في المفاوضات حول النزاع، لكنها لا تريد للمغرب التخلص منه ضما او
انسحابا، فملف سبته ومليله يحتاج انشغالا مستمرا للرباط مما جعل مدريد تميل الى
عدم حل نزاع الصحراء بشتى تشعباته، وميلها اكثر الى بقاء الحال على ما هو عليه
او بلقنته اكثر من ذلك.
فرنسا: دورها تأخذه من علاقتها التقليدية بالمنطقة حيث كانت تستعمر الدول ذات
الصلة المباشرة بالملف، كما انها ظلت تحتفظ بعلاقات جيدة مع انظمتها المتعاقبة،
ولا تخفي ميلها الظاهر للمغرب بحكم استقرار علاقاتها معه واستقرار الهوية
السياسية لسلطاته وان لم يصل بها الحد للتفريط بالجزائر ورضاها، مما يدعم ذلك
رغبة فرنسية استعمارية في استمرار النزاع حتى لا يقوى طرف في حجم المغرب واهمية
الجزائر بالنسبة للمنطقة ولفرنسا ذاتها.
الولايات المتحدة الاميركية: دورها في النزاع يعود بالدرجة الاولى لمكانتها
الدولية والوصاية التي اصبحت تفرضها في مختلف انحاء العالم هذا فضلا عن
علاقاتها التاريخية المتميزة مع المغرب، لا يبتعد موقفها عموما عن الموقف
الفرنسي وان مالت للمغرب اكثر، وقد تحررت من بعض الاعتبارات التاريخية التي ما
زالت تحكم السياسة الفرنسية في المنطقة، وهي ايضا تميل الى اطالة النزاع لاطول
مدة ممكنة نظرا لسياساتها الامنية والاستراتيجية بالمنطقة ونظرا لاهمية الطراف
المتنازعة للمصالح المريكية بالمنطقة.
وقد غاب بشكل كلي الدور العربي الذي يمكن ان يتمكن من حل النزاع باقل خسائر
ممكنة ناهيك عن دور الاتحاد المغاربي.
الحلّ المؤجل
لقد ركز المغرب مؤخرا على حل واحد يعتبره الامثل لمشكل الصحراء حيث اضحى يعتبر
ان الصحراء جزءا لا يتجزأ من اراضيه ويتمثل بمقترح الحكم الذاتي بالاقاليم
الصحراوية تحت السيادة المغربية خصوصا بعدما شكل العاهل المغربي لجنة لتدرس
بشكل جدي مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب ذات خصوصيات مغربية وذلك من اجل
الارتقاء بالمغرب من دولة تعتمد المركزية الى دولة فيديرالية ذات جهات تتمتع
بصلاحيات سياسية وتنموية واقتصادية واسعة تمكنها من تسيير شؤونها بنفسها وطبعا
في اطار سيادة مغربية واحدة تحترم الدستور المغربي وفي هذا الاطار ميز المغرب
منطقة الصحراء عن باقي المناطق بمنحها حكما ذاتيا في اطار سيادة مغربية.
وقد تمكن المغرب من اقناع مجموعة من الدول التي كانت تدعم مقترح الانفصال
الصحراوي عن المغرب من العدول عن تاييدها للانفصال، الا أن جبهة البوليزاريو
اضحت اكثر تصلبا، وقد صرحت في كثير من المحطات عن تبنيها مؤخرا لخيار الحرب
المباشرة مع المغرب من اجل "الاستقلال"، خصوصا بعد ما وقع في العيون وهي احداث
التقتطها اسبانيا خصوصل للنفخ في نار الصراع، ما يعني أن الحل لمعضلة الصحراء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق