يسود توجس اليوم بعد تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية 2011 المغربية، توجس مشروع لدى مناصري العلمانية وتخوفهم من أن تتحول الدولة المغربية إلى دولة دينية يدبر شأنها العام باجتهادات الفقهاء وعلماء الدين أسوة بالنموذج الإيراني أو بعض دول الخليج العربي. يجب التذكير هنا بالمناسبة بالاختصاصات الدستورية داخل الجهاز التنفيذي نفسه الذي يعتمد الثنائية التنفيذية، بين اختصاصات الملك كرئيس للدولة وبين اختصاصات رئيس الحكومة، وبين اختصاصات المؤسسة التشريعية في إطار فصل السلط وتعاونها، واستقلالية القضاء عن الجهاز التشريعي والتنفيذي.
1- على المستوى الدستوري:
في قراءة متأنية للمقتضيات الدستورية يمكننا استخلاص ما يلي:
لأول مرة في تاريخ المغرب يتم ترسيم سمو المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف الدولة على القوانين المحلية في إطار التسلسل الهرمي للقوانين ( المادة الثانية من الدستور من الفصل 19 إلى الفصل 40)، يتم توضيح اختصاصات الملك ( المادة الثالثة من الفصل 41 إلى الفصل59)، اختصاصات السلطة التشريعية والعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ( المادة الرابعة من الفصل 60 إلى الفصل 86) ،تحديد اختصاصات الجهاز التنفيذي ( رئيس الحكومة والحكومة (المادة الخامسة والمادة السادسة من الفصل 87 إلى الفصل 106) ،اختصاصات السلطة القضائية ( المادة السابعة من الفصل 107 إلى الفصل 128 )، والمحكمة الدستورية ( المادة الثامنة من الفصل 128 إلى الفصل 134)، مع الإشارة أنه لأول مرة يتم الاعتراف الدستوري بالقضاء كسلطة .
لتجاوز اللبس الحاصل وطرد التوجس يجب التأني في قراءة الاختصاصات الدستورية للسلطة التنفيذية الثنائية بالمغرب ،والتعرف على الدور الحاسم للسلطة القضائية خاصة المحكمة الدستورية في مراقبة مدى التطابق الدستوري والقوانين التي ستصدر عن السلطة التشريعية ،أو تلك التي ستقترحها السلطة التنفيذية بما فيها المراسيم التنظيمية والقرارات والدوريات الوزارية. لنطرح جدلا أنهم تم اقتراح نص قانوني يتعلق بالحقل الديني من طرف السلطة التشريعية أو السلطة الحكومية فمن البديهي أن يتعارض ومقتضيات الفصل 41 من الدستور، الذي يعود فيه الاختصاص للمجلس الأعلى للعلماء الذي يشتغل تحت الرئاسة الفعلية للملك. وتجدر الإشارة أيضا إلى التوجهات الكبرى للدولة طبقا للفصل 49 من الدستور التي تعتبر خطوطا حمراء لا يمكن القفز عليها، بالإضافة إلى سلطة التعيين والإعفاء الدستورية التي يتمتع بها الملك في بعض المناصب السامية الأساسية المدنية والعسكرية.
2- على المستوى السياسي:
لا يتوفر حزب العدالة والتنمية إلا أغلبية نسبية تجعله رهين تحالفاته السياسية لتدبير الولاية التشريعية والتنفيذية، فكيفما كان هذا التحالف لن يتم إلا مع أحزاب لا تتخذ من الدين الإسلامي سراج توهجها، ولن تنصاع بغباوة للسقوط في فخ التعارض الدستوري بين اختصاصات الملك واختصاصات باقي السلط الدستورية. بعض النصوص القانونية تنهل من الشريعة الإسلامية (المذهب المالكي المعتدل) لكن في الممارسات والعادات والتقاليد السائدة بالمجتمع فإن الشعب المغربي
علماني بامتياز، لكون المغاربة في حياتهم اليومية ينبذون كل من يحاول اجتثاث التقاليد الإسلامية المغربية وفي المقابل يمقتون بشدة الغلو الديني ويرفضون غرابة التدين والتطرف، ولا يعيرون اهتماما لحرية ممارسة الطقوس والشعائر الأخرى أو عدم ممارستها،
فحسب تقديري الشخصي فإن هذا التهويل والتضخيم من الحدث الانتخابي وتصوير حزب العدالة بالغول القادم ليحرق الأخضر واليابس على العلمانيين مبالغ فيه، لكون الانتخابات البرلمانية بالمغرب لا تعكس حقيقة الواقع المغربي ولا تمثله إلا في إطار لعبة سياسية، لكون القاعدة الناخبة مبتورة وغير كاملة مقارنة مع عدد المواطنين حاملي البطاقة الوطنية الذي يتجاوز عشرين مليون عوض ثلاثة عشرة مليون المسجلة، ناهيكم عن المعايير التي اعتمدت في رسم الدوائر الانتخابية وتقنية الاقتراع التي لا تسمح ولن تسمح بعكس التمثيلية الحقيقية للشعب المغربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق